للتربية أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع ؛ لأنها تؤدي إلى بناء الإنسان الصالح بتنمية شخصيته المتكاملة من جميع النواحي:الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية ،وهو ما تضطلع به المؤسسات التربوية من البيت والمدرسة والمسجد .
و من أبرز ما يحقق تلك النواحي العناية بالقيم والمبادئ والمعتقدات السليمة ؛ إذ تقوم القيم بوظائف مهمة في تشكيل شخصية الإنسان وتوجيه سلوكه ، كما تمثل إطاراً مرجعياً لتصرفاته واختياراته في المواقف الحياتية ، فالمؤسسات التربوية والتعليمية هي من أهم المؤسسات المعنية بغرس القيم النبيلة وتعليمها وتنميتها لدى الأبناء لتحفظ للمجتمع تماسكه وترابطه وفق المبادئ التي تعمل تلك المؤسسات في منظومتها.
ومن الملاحظ أن مجتمعنا العربي والإسلامي يمر بفترة حرجة تتسم باهتزاز القيم واضطراب المعايير القيمية والأخلاقية ، حيث كشفت الدراسات الخاصة بالمتغيرات النفسية والاجتماعية للشباب عن وجود اغتراب نفسي ، وخلل قيمي مخيف ، خاصة مع تنامي دور الإنترنت وعدم القدرة على ترشيد استهلاكه، والانبهار بالتطور التقني والتجاوب معه دون رصيد قيمي وسلوكي يضبط الحياة, وقد كثرت الشكوى بين أوساط التربويين في الآونة الأخيرة من تدني القيم لدى الطلاب ، وخصوصاً بعد اختراق وسائل التقنية المتعددة لحياة الناس ,حيث أثبتت دراسة الجمال (1434،ص305) أن مواقع التواصل استطاعت أن تحدث للشباب تأثيراً على النسق القيمي الأخلاقي لديهم.
ومن المداخل المهمة في قيام المدرسة بدورها العناية بالمناهج الدراسية ؛ حيث كان الاهتمام كبيراً بتطويرها في التعليم العام من قبل القائمين عليها في وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية ؛إذ لم تعد وظيفتها تزويد الدارسين بكم من المعلومات التي يتضمنها المقرر، بل شملت تزويدهم بالخبرات التي تساعدهم على النمو المتوازن ، بما يحقق الأهداف المنشودة. ويمكن للمناهج الدراسية -إذا أُحسِن إعدادها واختيارها، وتحديد أهدافها بدقة - أن تؤدي دوراً إيجابياً في تأصيل القيم لدى الطلاب .
ولكن تضمين تلك القيم في الكتب الدراسية لا يكفي لتحقيق أهدافها ؛ حيث إن تدريس القيم يختلف عن تدريس المعارف والمهارات إذ لكل منها طرقه وخطواته وأساليبه المناسبة لطبيعة المعرفة أو المهارة أو القيم والاتجاهات ، فللقيم طرق وأساليب خاصة بتدريسها , و تدريسها بالأسلوب المناسب لها يسهم في تطوير التعليم بمختلف التخصصات في جميع المراحل الدراسية ؛ إذ هي لا تعنى بتخصص معين أو مرحلة دون أخرى .
فالتربية القيمية تحتاج إلى استخدام المعلم طرائق تدريسية متنوعة تعمل على إكساب الطلاب القيم ، وأن يكون قدوة علمية وثقافية ودينية لطلابه ويقوم على تشجيع التعلم التعاوني ، ومساعدة الطلاب على التفكير الناقد والإبداعي وحل المشكلات ، ومساعدتهم في التعبير عن آرائهم وأفكارهم بجو من الأمان، كما أن من طرق تدريسها الاعتماد على تحليل القيم وتوضيحها من قبل الطلاب واختيارها بقناعة عن طريق الحوار بين المعلم وطلابه أو بين الطلاب أنفسهم .
ولكن الواقع قد يكون مختلفاً عن ذلك من شيوع الطرق الإلقائية في التدريس وملازمتها لغالبية أساليب التدريس في مختلف التخصصات ، كما أن المعلمين والمعلمات انصرفوا إلى تلقين القيم وعدم ترجمتها إلى سلوك ممارس ؛ بل ربما خالف المعلم ما يدعو إليه داخل قاعة الدرس أو خارجه ؛ مما يحدث ازدواجية لدى الطالب ؛ حيث يحث المعلم طلابه مثلاً على قيمة السلام ثم يدخل القاعة دون أن يسلم،أو يحثهم على النظافة ثم يشاهدونه يرمي المهملات خارج السلة المخصصة لذلك ... وهكذا من الممارسات اليومية التي يتأثر بها الطالب أكثر من تأثره بالتوجيه المباشر.
وقد يكون سبب ذلك ضعف تأهيل المعلمين في هذا الجانب , وضعف برامج إعدادهم, وتدني كفاياتهم ومهاراتهم التي تؤهلهم لتدريس القيم بكفاءة وفاعلية كما أشارت إلى ذلك دراسة الجلاد (1430 , ص 102) ، وهذا يدعو إلى أهمية إلمام المعلمين والمعلمات بأساليب تدريس القيم كما أكدت عليه دراسة محمد وحماد ( 1434ص43) ، و استحداث مقررات تعنى بالقيم التربوية النابعة من الثقافة الإسلامية لتضمينها ببرامج إعداد المعلمين وهو ما دعت إليه دراسة الحجيلي (2009 ، ص 126)، وإعداد برامج تدريبية أثناء الخدمة لإكساب المعلمين مهارات تدريس القيم .
ويتضح مما سبق زيادة الضعف والتدني في القيم لدى الطلاب وتأثير التقنية ووسائل التواصل على قيمهم ، وفي المقابل اعتماد المعلمين على طرق تدريس تقليدية لا تتناسب مع تدريس القيم , بل ربما تناسب لتدريس المعارف أو قد تؤدي إلى معرفة القيمة فقط ،ولكن لا تغرسها في نفس الطالب بقناعة وتحولها إلى سلوك ممارس تحت عين الرقيب وبعيداً عنه ، وأحياناً أخرى تُفرَض تلك القيم على الطالب ويلزم بها ،ولكنه ما يلبث أن يفارق معلمه أو مدرسته حتى يقوم بممارسة سلوكيات تخالفها ، وهذا ما يلحظ في كثرة الممارسات الخاطئة التي تخالف قيمنا في الشارع والمسجد والبيت رغم ما يحثنا عليه ديننا وتمتلئ به مناهجنا وثقافتنا من القيم .
ومما يدعو إلى القلق سرعة تأثر بعض شبابنا لدعاة الغلو والفتنة من جهة ودعاة التفريط والتغريب من جهة أخرى ؛ وهذا يؤكد على أهمية تدريس القيم بمهارات خاصة ، وإتقان المعلم لها وممارستها في غرفة الصف ، بالإضافة إلى استهدافها في الأنشطة غير الصفية كتربية الطالب على تقديم الأعمال التطوعية ؛ لما يؤدي ذلك إلى شعور الطالب بالراحة النفسية ، وزيادة الانتماء الوطني لديه وهو ما أكدت عليه دراسة الأفندي (2013) ؛ وذلك –بإذن الله -سيؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة من تضمين القيم في تلك المقررات الدراسية ، وتحصين أبناءنا وشبابنا ووطننا من المتربصين بهم عبر هذا العالم المفتوح .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
- الأفندي ، إسماعيل .(2013) . دور المدرسة في تعزيز العمل التطوعي لدى طلاب المرحلة الثانوية في المدارس الحكومية في بيت لحم ، مؤتمر العمل التطوعي في فلسطين: واقع واحتياجات , البيرة 4/2/2013.
- البكر، فهد.(2014).مناهجنا التعليمية وأزمة القيم،صحيفة الشرق،ص10،العدد(963)بتاريخ:٢٤/
- الجلاد ، ماجد زكي . ( 1430 ).تعلُّم القيم وتعليمها .عمان : دار المسيرة .
- الجمال ، رباب .(1434) .أثر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على تشكيل النسق القيمي الأخلاقي للشباب السعودي دراسة ميدانية ،مجلة الأبحاث العلمية لكرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية ، ج1 ,293-262
- الحجيلي، عبدالعزيز .( 2009). القيم التربوية الواردة في الرسوم الجدارية بمدارس مكة المكرمة.مجلة دراسات في المناهج وطرق التدريس، كلية التربية بجامعة عين شمس.144،97-132.
- الحديثي ، صالح . ( 1415) .طرائق وأساليب تعليم العلوم في المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة . مجلة جامعة الملك سعود. مجلد 7(2). 163-199.
- السويدي ، وضحة .(1409). برنامج مقترح لتنمية القيم الخاصة بمادة التربية الإسلامية لدى تلميذات المرحلة الإعدادية . قطر : دار الثقافة .
- الشمري ، فيصل .(1433).مشكلات تنفيذ مناهج مشروع التطوير الشامل في الصف الأول المتوسط بمدينة سكاكا من وجهة نظر المعلمين .رسالة ماجستير غير منشورة .قسم المناهج وطرق التدريس ، كلية التربية ،جامعة الملك سعود : الرياض .
- العامر , إبراهيم .(1429).تقويم عمليات تطوير المناهج الدراسية في التعليم العام للبنين بالمملكة العربيةالسعودية في ضوء الاتجاهات التربوية الحديثة والخبرات العالمية المعاصرة ،رسالة دكتوراه غير منشورة . قسم التربية، كلية العلوم الاجتماعية ، جامعة الإمام محمد بن سعود : الرياض .
- عقل، محمود عطا.(1427).القيم السلوكية لدى طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج.(ط2).الرياض: مكتب التربية لدول الخليج.
- محمد ، هدى ،؛ حماد ، محمد . ( 1434) . القيم الأخلاقية الناتجة عن أساليب المعاملة الوالدية كما يدركها المراهقون العاديون وذوو الاحتياجات الخاصة في المجتمع السعودي، مجلة الأبحاث العلمية لكرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية ، ج1 ، 12-48 . المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج .(1436). تعزيز القيم في مناهج التعليم العام –إطار عام للتربية القيمية ، المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج : الكويت .
- Lovat, Terence,& Clement, Neville,& Dally, Kerry,& Toomey, Ronald .( 2010). Values education as holistic development for all sectors: researching for effective pedagogy. Oxford Review of Education 36(6), p713-729, 17p
2 pings