إن أس الإسلام، ولبه، ومحوره: هو إحقاقُ الحق، أيًا كان، ومع من كان.. وإزهاق الباطل، أينما كان، ومع من كان.. دون النظر إلى جوانب عاطفية، أو مصالح شخصية، أو قرابات نسبية، مهما كانت درجة هذه القرابة.
بل إنَّ نصر الحق، ودحض الباطل، هو الأصل في الدعوة إلى الله، وهو المطلب الأساس.
قال تعالى -حاكياً عن أهل الجنة قولهم بعد دخولهم الجنة-: {لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبّنَا بِالْحَقّ} [الأعراف:43].
وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]
والحق في الدعوة إلى الله، ليس محصوراً في صورة دون صورة، ولا موجهاً لطبقة دون طبقة، ولا يسير في منحنى دون آخر، بل الحق يشمل كل صور الحياة، وأحداث الواقع، وطبقات الناس، وجميع المنحنيات، فلا يُستثنى أحد من قول الحق، أو قبول الحق.
كما يشمل جميع صور الاعتقاد، وأنواع العبادة، والأقوال والأفعال، وأنواع المعاملات والعادات في الميادين كلها.
قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ} [الرعد: 14] في كل صور الحياة.
ولذلك خاطب الله البشرية جميعاً بذلك فقال:
{قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ} [يونس:108].
وأوصانا رسول الله ? بقول الحق في كل مقام، دون خوف من أحد، فقال عليه الصلاة والسلام:
"لا يمنع لناس - وفي رواية هيبةُ الناس- أو بَشَرٍ، أن يتكلم بالحق، إذا علمه أو شهده أو سمعه" [1].
ولما أراد أسامة بن زيد أن يشفع في المخزومية التي سرقت، غضب رسول الله ? غضباً شديداً، وقال له: "أتشفع في حد من حدود الله"، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"[2].
ولا يخفى على عاقل ما في نصر الحق، ودحض الباطل من خير عميم للبلاد، ومصالح عظيمة للعباد، ولذلك سارعت تلك الأمم على اختلاف ألوانها.. وتنوع أصولها.. إلى الدخول في الإسلام. تاركةً الباطل الذي عشعش في عقائدهم، وتحكم في عباداتهم، وسيطر على عاداتهم، مجافيةً سلاطين السوء، وحكام الجور، الذين تحكموا فيهم على مدى قرون، هاجرةً دجاجلة من كهنة ورجال دين، أفسدوا عليهم دينهم، فظهر الحق مستعلياً على باطل الشرك، كعبادة غير الله، من سؤال وسجود، ومبطلاً بدع التعبد السخيفة، كالرياضات المجوسية، من وقوف تحت الشمس أياماً تعبداً... والامتناع عن النكاح والطعام، وغير ذلك من العبادات الباطلة، التي أبطلتها دعوة الحق.
وماحياً عادات قبيحة، لا يقرها شرع، ولا يقبلها عقل، كمنع الطلاق.. ودفن الزوجة حية مع زوجها إذا مات قبلها.. وما قصة إلقاء الفتاة في نهر النيل كل سنة بمجهولة [3]، وما شابه هذه العادات الباطلة التي سخطها الإسلام، واستبدلها بالحق الناصع، والصراط المستقيم.
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].
وهكذا عاش المسلمون في الحق، وللحق، وبالحق