في زحامِ الحياةِ المليئةِ بالأحداثِ والمواقفِ المتنوعة ، وفي غمرةِ الطموحاتِ الإنسانيةِ الممتدةِ والمشروعة ، يمارسُ الإنسانُ الكثيرَ من التجاربِ في مختلفِ الميادين ؛ ويكونُ قد رسمَ كوكبةً من الأهدافِ الكبيرةِ والواقعيةِ بغيةَ تحقيقِ غاياتٍ عظيمةٍ ومنجزاتٍ عملاقةٍ تسهمُ في إثباتِ الذات وتأكيدِ قدرتها على العطاءِ المتواصل ، وإحداثِ تغييرٍ إيجابي في النفسِ ينتقلُ عبقُه عبرَ هالاتٍ بلوريةٍ تنطلقُ سابحةً من فضاءِ الذات ؛ لِتَحُطَ رحالَها على الآخرين فتحدث ذات التغيير .
التجاربُ كألوانِ الطيف ، ولكن تبقى التجربةُ الفريدةُ من نوعها والتي ربما لا يمارسها الإنسانُ إلا مرةً واحدةً في حياته ، وربما تأتي عَرَضًا لم تكنْ في الحسبان ، وتكون عامرةً بكل ما هو جميل ورائع وباذخ .
إن تجربتَنا التي سنتحدثُ عنها هي تجربةُ تعلمِ أساسياتِ اللغة الصينيةِ المندرينية .
وبعيدًا عن السياسةِ والاقتصاد والمالِ والأعمال فمحطتُنا ليست هنا ، بل هناك في الجامعةِ العربيةِ المفتوحة ، حيث كانت لنا صولاتُ وجولاتُ الفرسانِ ولكن بنكهةٍ صينيةٍ وطابعٍ خاص مميز في تعلمِ لغةٍ أجنبيةٍ جديدة ، حيثُ تختفي الحروفُ فليس لها وجود ، وتكونُ المواجهةُ مع مجموعةٍ من الرسوماتِ والصورِ تحولت إلى رموز / خنزاتٍ تضعك أمامَ تحدٍ كبيرٍ واستثنائي .
بدايةُ التجربةِ ، كانت تحملُ معها مفرداتِ الجديدِ والغريبِ والمبهم ، ويظللُ تلك المفرداتِ عنصرُ الدهشةِ الذي يخالطه ويمتزجُ معهُ عنصرُ المتعة ، وبعد أنْ أبحرَ الربانُ ؛ ليقودَ السفينةَ ( سفينة الينك ) في النهرِ الأصفر ( هوانغ هو ) والمعروف بفيصاناته الخطيرة ، كنّا معه جنبًا إلى جنبٍ في المواجهة . في أولِ الأمرِ شعرنا بصعوبةِ المهمة وربما استحالتها ، مع وجودِ المشقةِ الجليةِ في الرحلة ، ولكن مع حكمةِ وحنكة وخبرةِ وتشجيع ذلك الربان المتمرس والعارف بخبايا ذلك المكان وأسراره وطلاسمه والذي قضى فيه جزءًا من عمره . وفِي الطرفِ الآخرِ كان الصبرُ والتفاني هما العنوانانِ البارزانِ لطاقمِ السفينة .
تجاوزنا الكثيرَ من العوائقِ والعراقيل والحواجزِ إلى أن وصلنا وحققنا الهدف ، فكانت النهايةُ رائعةً ، والختامُ مسكٌ تفوحُ منه مفرداتُ الفرحِ وجمال الإنجاز ِوروعة الصحبة .
وأنا أتجولُ بكلِّ خِفّةٍ وسعادةٍ على ضفافِ النهرِ الأصفر في حالةِ هدوئه ، سأكتبُ ثلاثَ مشاعر قلبية بخنزاتٍ صينية أستخدمُ فيها الكنوزَ المكتبيةَ الأربعة -كما يسميها أهل الصين وهي : ( الريشة والحبر والورق والمحبرة )، ثم أضعها في ثلاثِ بطاقاتٍ يحوطها إكليلٌ من زهرةِ أوركيد شينزين نونجوك والتي أطلقَ عليها الفليسوفُ الصيني كونفوشيوس لقبَ ( زهرة عطر الملوك ) ، وأرسلها عبر الأثير بالترتيبِ التالي إلى كلٍّ من :
*البطاقة الأولى : لربانِ السفينةِ المدرب الرائع والإنسان الراقي الذي لم يبخلْ في تقديمِ كل ما تعلمه في سِنِيِّ حياتهِ التي قضاها في الصين ، إنه الصديق الدكتور عبدالإله السحيمي .
*البطاقة الثانية : لإخوتي المعلمين المتدربين والذين كانوا يحملون مشاعلَ ثلاث طوال مدة الدورة : المحبة ، والتعاون ، والرغبة الصادقة في التعلم .
*البطاقة الثالثة : لكم أيها القُرّاء الأعزاء كي تهدوها بدوركم لكل إنسانٍ يطمحُ أن يخوضَ غمارَ التجربة ، تجربة تعلم اللغة الصينية .
بقلم الأستاذ كمال بن علي آل محسن

التجربة الصينية
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/271603/