بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.عقوبة كفر النعمة[1]:
قال الله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾[3]؛ الشكر في اللغة: الظهور. والكفر: الستر والتغطية. كما وعد الله عزَّ وجلَّ من شكر الله على إنعامه أن يزيده من فضله، فقد توعد من كفر إنعامه بالعذاب الشديد، وكما أن الآية نص في أن شكر الله على الشيء سبب للمزيد منه، فهي نص في أن الكفر سبب للعذاب، وقد مضت سنة الله في خلقه أن من كفر نعمة الله ولم يشكر لله عليها؛ يسلبها الله منه ويذيقه ضدها كما حدث مع القرى التي كفرت بأنعم الله.وقد ضرب الله لنا الأمثال في القرآن لعلنا نتذكر أو نخشى أو نتفكر، فضرب تعالى لنا أمثالاً عن عاقبة الذين يكفرون نعمة الله عليهم ويجحدونها، ومن هذه الأمثال قصة سبأ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾[4].فقد أنعم الله عزَّ وجلَّ على قوم سبأ الذي كانوا في اليمن نعمًا كثيرة، ووسَّع عليهم الرزق والعيش الهنيء الرغيد، والبلاد المرضية، والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾[5]؛ فالأمن حاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهارًا.وكان الماء يأتيهم من بين جبلين وتجتمع إليه أيضًا سيول أمطارهم وأوديتهم فعمدوا إلى بناء سد عظيم محكم حتى ارتفع الماء، وحكم على حافات ذينك الجبلين فكانوا يصرفون الماء حيث شاؤوا من أرضهم، فغرسوا الأشجار واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن، وكان هذا السد ببلدة اسمها مأرب، قريبة من مدينة صنعاء فسمي السد باسمها وصار يُعرف بـ (سد مأرب)، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه وأن يشكروا له بأن يوحدوه ويعبدوه ففعلوا ذلك إلى ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عن توحيد الله وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله وكفروا بنعمة الله وجحدوها ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾[6]؛ فبطروا النعمة وأحبوا السفر الشاق الذي يحتاجون في قطعه إلى الزاد والرواحل، والسير في الحر والخوف، فأرسل الله جلَّ جلاله سيل العرم وتهدم السد وسقط[7]، فانساب الماء في أسفل الوادي وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك، ونضب الماء عن الأشجار التي بين الجبلين عن يمين وشمال فيبست وتحطمت وتبدلت تلك الجنتان ذواتا الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة، والمناظر الحسنة، والظلال العميقة، والأنهار الجارية، إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل، ومزَّقهم اللهعزَّ وجلَّ كل ممزق، وفرَّق شملهم فتفرقوا في البلاد بعضهم إلى عُمان، وبعضهم إلى الشام، وبعضهم إلى يثرب (المدينة النبوية)، وبعضهم إلى تهامة وبعضهم ههنا وههنا، وذلك بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء، وجعلهم الله تعالى أحاديث للناس وسمرًا يتحدثون به من خبرهم وكيف مكر الله بهم وعاقبهم كما نتحدث نحن عنهم الآن ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾[8]؛ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾
معيض الربيعي
كفر النعمه
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/230182/