فإنّ من أجلّ ما يقوم به المسلم من أعمال يتقرب بها إلى الله الديان هي أنْ يدعو إلى سبيل الله، وهي من أشرف ما قام به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم قال تعالى: قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وقال سبحانه: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ
وتختلف وسائل الإقناع والتأثير في الخطاب الديني للمسلمين بمقدار إيمانهم والتزامهم بدينهم، فما يؤثر في المسلم الطائع لربه قد لا يؤثر في المسلم العاصي، لأنهما ليسا متقاربين في مقدار الإيمان، مع ملاحظة أن القسمين يشتركان في الكثير من الوسائل التي تؤثر فيهما، وأنّ ما يحتاجونه - غالباً - هي الوسائل المؤثرة دون المقنعة، لأنّ مصدر التلقي لا شبهة فيه عندهما وهو القرآن والسنة، وإنما الإشكال في توافق العمل مع الإيمان، مع مراعاة أنّ بعض المسلمين قد تبدو له شبهات في جزئيات من الشريعة فيحتاج حينئذ إلى من يجلو عنها الغبار ببعض وسائل الإقناع.
تتميز النفس البشرية بأنها كيان متألف من رؤى وأفكار متباينة، إذ يختلف البشر في مستوى تفكيرهم وتعاملهم فيما بينهم، لذا يتطلب الأمر أساليب متنوعة لمخاطبة النفس البشرية واستمالتها إلى منهج الحكمة الذي يقضي بالتمييز بين الصائب والمقبول من الرأي والعمل وبين المخالف للصواب منهما، واتخاذ هذا المنهج سبيلاً لإقناع المقابل والتأثير فيه لتغيير ما هو مخالف لما هو صائب. إن هذا المنهج يستند في أساليبه إلى المنبع الثري وهو القرآن الكريم الذي تنوعت فيه أساليب التعبير عن معنى الحكمة وأساليبها
ولعل أهم أسلوب للحكمة هو أسلوب الاقناع الذي يعد وسيلة المتحاورين وأداة تواصلهم لتبادل الأفكار والتعبير عنها بالحجج والبراهين، إذ إنه ضرورة تفرضها طبيعة التعايش والحياة بين الإنسان ونظيره من بني البشر، فالإقناع فن من فنون الكلام والمحاورة ومهارة متقدمة من مهارات التواصل الإنساني على اختلاف توجهات المتحاورين سواء أكانوا بلغاء أم فصحاء أم رسلا أم دعاة أو غيرهم...
وكذلك فان الاقناع يختلف ويتنوع بحسب المقاصد والأغراض.
ومن أساليبه في الإقناع والتأثير التلطف في التعامل مع المخاطَب والكلام
معه بالرفق واللين مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. إذ كان يترفق فيما يأمرهم به أو ينهاهم عنه. إن أسلوب الشدة والغلظة، والغضب والعنف، أسلوب ينفر منه الطبع البشري أما أسلوب اللين والرفق فهو من أهم القواعد الأساسية في التعامل مع الآخر والتأثير فيه؛ ذلك لأن فطرة الإنسان وطبيعته تميل إلى اللين والتسامح والرحمة، لذا فالرفق في التعامل يعد وسيلة من وسائل النجاح في السلوك الإنساني وفناً من فنونه.
وقد أمر الله سبحانه الأنبياء بدعوة الناس إلى دينه بالكلمة الطيبة والخلق القويم مع الصبر عليهم قال سبحانه آمراً موسى وأخيه عليهما السلام: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
معيض الربيعي
الاقناع في الدعوة إلى الله
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/229242/