الحياة الحقيقية هي حياة القلوب، ولا تكون حياة القلوب حياة سعيدة إلا بامتثال أمر الله عز وجل واجتناب نهيه، فعلى المسلم أن يسعى إلى صلاح قلبه قبل صلاح جسده؛ فإنه لا ينفع المرء يوم القيامة إلا القلب سليم ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ، و كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)، فالله عز وجل جعل القلب مع الجوارح كالملك مع الرعية، فإذا صلح الراعي صلحت الراعية، وإذا فسد الراعي فسدت الرعية.
فحياة القلب أولى بالاهتمام من حياة الجسد؛ لأن حياة القلب تؤهل العبد لسعادة وحياة طيبة في الدنيا ينقلب منها إلى سعادة أبدية سرمدية في جنة الله عز وجل.
و لما كانت القلوب توصف بالحياة وضدها قُسمت القلوب إلى ثلاثة أقسام :
القلب الأول :قلب خال من الإيمان وجميع الخير ، فذلك قلب مظلم قد إستراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه إتخذه بيتاً و وطناًوتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن.
القلب الثاني : قلب قد إستنار بنور الإيمان و أوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية ،فللشيطان هناك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع ،فالحرب دول وسجال.
وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة, فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر ، ومنهم من أوقات عدوه له أكثر ، ومنهم من هو تارة و تارة.
القلب الثالث :قلب محشو بالإيمان قد إستنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات ، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس إحترق به،فهو كالسماء التي حُرِسَت بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رُجِم فاحترق.
فقلب خلا من الخير كله هو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكناً ومستقراً، فيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه.
وقلب قد إمتلأ من جلال الله سبحانه وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه ، فأي شيطان يجترئ على هذا القلب ؟ وإن أراد سرقة شيء منه فماذا يسرق ، وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفه ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لابد له ، إذ هو بشر وأحكام البشرية جارية علية من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع .
وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده ، وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع ، فهو بين هذيين الداعيين: فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإرادته وحده ، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع.
فهذا القلب للشيطان فيه مطمع ، وله منازلات و وقائع ، وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما في هذا القلب من الشهوات والشبهات فإذا دخل الشيطان و وجدها صال بها على هذا على القلب .
اما إذا كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة اندخر و خنس هذا الشيطان .
فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله فهو ملوم.
فنفسك لُم ولا تَلُم المطايا ومِت كمداً فليس لك أعتذار
معيض الربيعي
أنواع القلوب
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/229144/