الأب ليس مجرد وجود عضوي أو اقتصادي أو اجتماعي، إنه كل ذلك، ففي مختلف المجتمعات -مهما تباينت درجة تقدمها-يحتل الأب مكانة خاصة إذْ إنه يلعب دورًا رئيسيًا في تماسك الأسرة واستمرارها، وليس من باب العبث أن يُطلق على الأب في مجتمعنا عبارة رب الأسرة، أو أن يشبه بـ عمود الخيمة، الذي لا يمكن للخيمة أن تأخذ شكلها أو أن تستقيم دونه.
وبما أن أساس تكوين الأسرة يبدأ من الأب فقد كان له الدور العظيم في الشريعة الإسلامية كونه القائم على الأسرة بما فيها من أفراد، كالأم والأطفال والخدم، وهو المسؤول الأول عنهم وعن صلاحهم لقوله عليه الصلاة والسلام: {ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم}(صحيح مسلم)، وتبدأ هذه المسؤولية من اختيار الزوجة الصالحة التي ستكون الأم والمربية لأولاده، والتي يعد حسن اختيارها من حقوق الولد على أبيه، يقول ابن عمر رضي الله عنه: (كما أن لوالدك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حق)
ثم تأتي أهمية دوره من خلال كونه قدوة للأبناء؛ لاسيما في المرحلة الأولى من طفولتهم، فالأب يشكل بالنسبة إلى الطفل نموذجاً يحاول دائماً التباهي به والاقتداء بما يصدر عنه من أفعال؛ الأمر الذي يعكس حاجة الطفل إلى الأب كنموذج لسلوك يحاول أن يتمثله ويتعود على القيام به، ولا يمكن لأي شخص آخر، سواء كان الأم أو الأخ الأكبر أو أحد الأقارب، أن يقوم بالوظيفة نفسها التي يقوم بها الأب.
كما يعتبر الأب بالنسبة للطفل هو – المشرِّع- إن صحَّ التعبير، فهو الذي يضع الحدود بين ما يجب أن يقوم به الطفل، وما يجب ألا يقوم به، أي بين المباح والممنوع والحلال والحرام من خلال تدخله في سلوك الطفل. ، يقول الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى (الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابلٌ لكل نقش، ومائلٌ إلى كل ما يُمالُ إليه، فإن عُوِّد الخيرَ نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وأًهْمِلَ إهمال البهائم، شَقِيَ وهَلَكَ ،وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه).