فإن الإنسان وهو يسير في هذه الدنيا يطمع أن يزاد في وقته، وعمره، وماله، وأبنائه، وجميع محبوباته، التي هي مظنة السعادة لديه. والمسلم يدعو الله عز وجل أن يبارك له، وقد كان النبي يدعو بالبركة في أمور كثيرة.
والبركة: هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء؛ فإنها إذا حلت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع، ومن أعظم ثمار البركة في الأمور كلها إستعمالها في طاعة الله عز وجل.
ومن تأمل في حال الصالحين والأخيار من العلماء، وطلبة العلم، والعباد يجد البركة ظاهرة في أحوالهم. فتجد الرجل منهم دخله المادي في مستوى الآخرين لكن الله بارك في ماله فلا تجد أعطال سيارته (مثلا) كثيرة ولا تجد مصاريف ينفقها دون فائدة؛ فهو مستقر الحال لا يطلبه الدائنون، ولا يثقله قدوم الزائرين، والآخر: بارك الله في ابنة وحيدة تخدمه وتقوم بأمره، وأنجبت له أحفادا هم قرة عين له، والثالث: تجد وقته معمورا بطاعة الله ونفع الناس وكأن ساعات يومه أطول من ساعات وأيام الناس العادية! وتأمل في حال الآخرين ممن لا أثر للبركة لديهم، فهذا يملك الملايين، لكنها تشقيه بالكد والتعب في النهار، وبالسهر والحساب وطول التفكير في الليل، والآخر: تجد أعطال سيارته مستمرة فما أن تخرج من (ورشة) حتى تدخل أخرى! والثالث له من الولد عشرة لكنهم في صف واحد أعداء لوالدهم والعياذ بالله، لا يرى منهم برا، ولا يسمع منهم إلا شرا، ولا يجد من أعينهم إلا سؤالا واحدا. متى نرتاح منك؟.
و البركة إذا أنزلها الله عز وجل تعم كل شيء: في المال، والولد، والوقت، والعمل، والإنتاج، والزوجة، والعلم، والدعوة، والدابة، والدار، والعقل، والجوارح، والصديق ولهذا كان البحث عن البركة مهما وضروريا !.
كيف نستجلب البركة؟
أولا: تقوى الله عز وجل مفتاح كل خير، قال تعالى: { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } [الأعراف:96]، وقال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب } [الطلاق:3-2] ، أي من جهة لا تخطر على باله.
قيل لأحد الصالحين: إن الأسعار قد ارتفعت. قال: أنزلوها بالتقوى.
ثانيا: قراءة القرآن: فإنه كتاب مبارك وهو شفاء لأسقام القلوب ودواء لأمراض الأبدان : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } [ص:29]. والأعمال الصالحة مجلبة للخير والبركة.
ثالثا: الدعاء؛ فقد كان النبي يطلب البركة في أمور كثيرة، فقد علمنا أن ندعو للمتزوج فنقول: « بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير » [رواه الترمذي]، وكذلك الدعاء لمن أطعمنا: « اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم ، وارحمهم » [رواه مسلم]. وغيرها كثير.
رابعا: عدم الشح والشره في أخذ المال: قال لحكيم بن حزام رضي الله عنه : « يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع » [رواه مسلم].
خامسا: الصدق في المعاملة من بيع وشراء قال : « البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما » [رواه البخاري].
سادسا: إنجاز الأعمال في أول النهار؛ التماسا لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد دعا عليه الصلاة والسلام بالبركة في ذلك : فعن صخر الغامدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « اللهم بارك لأمتي في بكورها » [رواه أحمد].
قال بعض السلف: عجبت لمن يصلي الصبح بعد طلوع الشمس كيف يرزق؟!
قال: فكان رسول الله إذا بعث سرية بعثها أول النهار، وكان صخر رجلا تاجرا وكان لا يبعث غلمانه إلا من أول النهار، فكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضع ماله
سابعا: إتباع السنة في كل الأمور؛ فإنها لا تأتي إلا بخير. ومن الأحاديث في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم : « البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه » [رواه البخاري].
ثامناً: المداومة على الاستغفار؛ لقوله تعالى : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ، يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } [نوح:10-12].
تاسعاً: أداء الصلاة المفروضة؛ قال تعالى : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } [طه:132].
عاشراً: الإنفاق والصدقة؛ فإنها مجلبة للرزق كما قال تعالى : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } [سبأ:39].
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا واجعله عونا على طاعتك، وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين