الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
من لوازم الإيمان الشكر والعرفان ، والله سبحانه وتعالى سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم ، تعريف بأسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، وتكريم هذا الإنسان :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [ سورة الإسراء: 70 ]
شُّكْرُ النِّعْمَةُ من أجل وأطيب الصفات التي يجب أن يتصف بها المسلم، وهي من مكارم الأخلاق, والشكر : هو المجازاة على الإحسان، والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان.
لقد أمر الله أن نشكره ، ونهى عن أن نكفره ، وأثنى على الشاكرين ، فالشكر غاية، ووعد أهله بأحسن الجزاء ، وجعله سبباً لمزيد من العطاء ، وحارساً وحافظاً لنعمته .
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾. ﴾, سورة البقرة، الآية: 172وقال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾, سورة النحل، الآية: 114.
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم، ومن رزقه الحلال الطيب، والرزق والمال نعمة كبيرة من الله تعالى على الإنسان ودونها لا يستطيع العيش، وما دام الإنسان يحب دوام هذه النعمة بل وزيادتها؛ فيجب عليه أن يشكر الله عليها، وقد وعد الله عزَّ وجلَّ من شكره أن يزيده من فضله، فقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾, سورة إبراهيم، الآية: 7 .، أي؛ لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي. فالزيادة حاصلة لمن شكر الله حق شكره.
الشكر له مستويات ثلاث : أول مستوى : أن تعرف النعمة ، لأن معرفة النعمة أحد أنواع الشكر ، نعمة أنك تتنعم بصحتك ، بأعضائك ، بجوارحك ، بحواسك الخمسة ، نعمة أنه لك مأوى ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ :
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا ، وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا ، وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ )) [مسلم عَنْ أَنَسٍ]
ترون وتسمعون ماذا يحل في إِخوتنا في فلسطين وفي العراق ، وفي سوريا , نعمة المأوى ، نعمة السلامة ، هذه من نعم الله الكبرى .
المستوى الأعلى : أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل ، دون أن تشعر تلهج بحمد الله ، يا رب لك الحمد .
المستوى الأعلى والأعلى : أن تقابل هذه النعم بعمل صالح ، بخدمة عباده ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : ﴿ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [ سورة سبأ : 13 ].
وعندما يأمر الله عزَّ وجلَّ عباده المؤمنين بالشكر له فذلك ليس لأجله، فهو جلَّ شأنه وتقدست أسماؤه غني عن العالمين، وغني عن شكر الناس أجمعين، فالشكر إنما هو لمصلحة العبد؛ لأن نفع الشكر وثوابه يعود على الشاكر نفسه في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾, سورة لقمان، الآية: 12.
إذا كنت شاكراً لنعمه فأنت في حصن حصين ، وأما إذا استغنيت عن الله بعد النعم فانتظر زوال هذه النعم ، والله عز وجل إذا أعطى أدهش ، وإذا أخذ أدهش ، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مؤدبين مع الله ، وأن نشكر نعم الله علينا ، فكل نعمة أنت فيها ينبغي أن تشكر الله عليها .
وختامًا أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن ينفع بنا غيرنا من المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.