قمنا قبل فترة – وبتوجيه من مديرة المدرسة – بحملة تنظيف طاولات الطالبات، هب الجميع معلمات وطالبات لإنجاح تلك الحملة، وإزالة ما علق بطاولات الطالبات من كتابات عبثية، أو ربما نتيجة لعوامل نفسية ترجمتها بعض الطالبات على شكل رسومات وعبارات . نحن نراها تشويها واعتداءً على الممتلكات العامة ، بينما هي تراها متنفسا لها.
هؤلاء الطالبات بحاجة ماسةإلى من يتفهم تصرفاتهن، ويعالجها بما يناسبها.
ليست الطاولات هي موضوع مقالي، وإنما صاحبة تلك الطاولة وأعني بها الطالبة.
وهذه مواقف حصلت معي شخصيا ومصادفة ، تأثرت بها. رمزت للطالبة صاحبة الموقف بالزهرة لأنها فعلا زهرة ، وإن لم نتعهدها بالرعاية والاهتمام والحنان والحب فإنها ستذبل، وربما بحثت عمن يسقيها حنانا وحبا في مكان آخر ،حتى وإن كان ذلك الحب زائفا.
والآن هيا إلى تلك المواقف.
1/
في الفصل وبعد انتهاء الحصة أخذت( ) كرسيها وجلست بجواري وبدأت تسألني عن عدة أشياء بعيدا عن المنهج.
قلت لها: أنتِ طالبة مجتهدة، هل تساعدين أمك في المنزل؟
أطرقت وردت بصوت خافت : أمي منفصلة وتعيش مع زوجها بعيدا عني .
2/
جاءت بها إحدى الإداريات لغرفة الصحة، بدت منهكة تجر قدميها ، وما أن رأت الكرسي حتى تشبثت به تعبا وإعياءً.
سألتها عن اسمها وما تشعر به ، وعرفت منها بصعوبة أنها لم تستطع شراء فطورها من المقصف لازدحام الطالبات، ونبهتني أن السكر منخفض . فأحضرتُ لها عصيرا وكان في جيبها قطعة حلوى تناولتها، وبعد دقائق تحسن وضعها قليلا.
سألتها: هل اتصل بوالدتك لتأتي لأخذك؟
أطرقت ( ) برأسها وأجابت: أمي ليست معي !! أمي منفصلة!!
3/
جلستُ أنتظر سيارتي بعد انتهاء الدوام الدراسي، حضرت المديرة من الساحة الخارجية ومعها مجموعة من الطالبات، وبدأت في لومهن وتأنيبهن على مخالفاتهن في فناء المدرسة ، وطلبت منهن ألا يحضرن في اليوم التالي إلا بأمهاتهن .
والتفتت المديرة نحو إحداهن وقالت لها: خاصة أنت تأتين ومعكِ أمك.
رفعت رأسها نحو المديرة وبصوت مرتفع: ولكن أنا ليس لدي أم!!!
خففت المديرة من حدة صوتها وسألتها: لماذا؟ أين أمك؟
أطرقت ( ) برأسها وردت: أمي منفصلة .
4/ طلبت مني إحدى الإداريات إعادة تضميد جرح إحدى الطالبات ، وعندما رأيت يدها وقد بدت عليها حروق ليست بالهينة . ضمدت يدها وقلت لها مازحة: أنت طالبة كثيرة الحركة انتبهي لنفسكِ ودروسك وكفاكِ شقاوة.
قالت ( ) : ليست شقاوة وإنما كنت أحضر البطاطس المقلية لي ولأختي بعد عودتي من المدرسة لكي نتغدى، وانسكب الزيت الحار على يدي واحترقت!!!
عذرتها !!! لأني أعلم مسبقا أنها تعيش مع أبيها وإخوتها دون أم ، الأم منفصلة!!!
5/
في حصة نشاط وأثناء تنظيف الطاولات في تلك الحملة التي حدثتكم عنها مسبقا ،كان هناك طالبة أكثرهن اهتماما، تمسح الطاولات تارة، وتكنس تارة، وتغسل تارة أخرى، أعجبتُ بحرصها ومهارتها.
فقلت لها: ما شاء الله عليكِ أنت ربة منزل ناجحة.
ضحكت وقالت: اعتدتُ على (الكرف) كل أعمال البيت أنا أقوم بها . أعود للمنزل وأقوم بإعداد الغداء ثم ترتيب المنزل.
وبتعجب سألتها: ولماذا كل هذا عليكِ وحدكِ؟!!!
أطرقت ( ) برأسها وأجابت بتأثر: أنا أهتم بإخواني الأولاد وبأختي المريضة . أمي منفصلة عن أبي منذ زمن، وتزوجت وسافرت خارج البلاد .
والقائمة تطوووووووول .
لابد من لفتة حانية لمثل هؤلاء الطالبات( ) ( وربما غيرهن كثير. ولنكن قلب الأم الثاني .
وقفات:
- جميع الطالبات اللاتي ذكرت من المرحلة المتوسطة تلك المرحلة الخطيرة من حياة زهراتنا.
- لندرك أن التربية مضنية ، ولكن ثمارها شهية. إن أجدنا الرعاية، وسقي الزرع.
يقول أحمد شوقي:
ليس اليتيم من انتهى أبواه.
من هم الحياة وخلفاه ذليلا.
إن اليتيم هو الذي تلقى
له أما تخلت أو أباً مشغولا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*حاليا معلمة ومرشدة صحية.
سابقا: مرشدة طلابية.