يعود أصل اشتقاق هذه الكلمة إلى الحيوان المعروف النمر، فيقال تنمر الشخص إذا غضب وساء خلقه وصار كالنمر الغاضب، ويعرف التنمر علمياً: بأفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل: التهديد، والتوبيخ، والإغاظة والشتائم، كما يمكن أن تكون بالاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع والركل، أو حتى بدون استخدام الكلمات أو التعرض الجسدي مثل التكشير بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد عزله من المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته بحسب تعريف دان ألويس.
وقد لوحظ في الآونة الأخيرة تنامي هذه الظاهرة في مدارسنا في صورة حالات اعتداء جسدي أو لفظي أو عاطفي أو جنسي، مشَكلةً بذلك حالتين يجب الوقوف عندهما ومعالجتهما، وعدم التقليل من شأن أحدهما في التقويم والعلاج. الأولى: الطالب المتنمر عليه أو المعتدى عليه وهو الضحية والجانب الأضعف. والحالة الثانية: الطالب المتنمر المعتدي وهو الجانب الأقوى، مما يعني عدم وجود أي تكافؤ بين الطرفين سلوكياً أو جسدياً، وتحدث ظاهرة التنمر بشكل مقصود ومتكرر، يسعى فيها المتنمر للسلطة والسيطرة والاستقواء وإلحاق الأذى والضرر بالمتنمر عليه، مع إيقاع اللوم على الضحية دائما، وعدم الندم أو السعي لحل المشكلة. مما يظهر جلياً الفرق بين التنمر والصراع أو العدوان الطبيعي.
ويظهر هذا السلوك في شكل اعتداء مباشر سواءً جسدياً بالضرب أو الصفع أو الطعن أو التحرش الجنسي، أو لفظي بالسب والتنقص والاستهزاء باللون و اللبس والعرق ونحو ذلك، والقسم الآخر يكون بشكل غير مباشر: كتهديد الضحية وابتزازه وإذلاله وغير ذلك من الممارسات العدوانية.
ويعزو المختصون هذا السلوك الغير سوي إلى أسباب كثيرة، من أبرزها أسباب ذاتية ونفسية تعود للشخص المتنمر كلفت الانتباه إليه وتحقيق ذاته والاستعلاء والتسلط، وللتعبير عن مشاعر سلبية بداخله كالغيرة والحسد والإحباط ونتيجة الطبقية في بعض المجتمعات, وهناك أسباب أسرية تعود للخلل في التنشئة الأسرية، والعنف الأسري وحالات الانفصال، وغياب التربية على القيم المجتمعية واحترام وتقدير الغير.
ومما لا شك فيه أن للتقنية الحديثة اليوم الأثر الأكبر في تنامي هذه الظاهرة، من خلال الألعاب الالكترونية التي تتسم بالعنف والتي لا يتحقق الفوز فيها واجتياز المراحل والحصول على أعلى النقاط إلا من خلال سلوكيات التنمر العدوانية، ومثل ذلك أيضا متابعة ومشاهدة الأفلام والقنوات التي تحوي الكثير من لقطات العنف والأذى الجسدي واللفظي.
ومن هنا يأتي أهمية تفعيل دور المدرسة التربوي وعدم اختزاله في تلقين المعلومات فقط، وذلك من خلال البرامج الإرشادية وملاحظة السلوكيات الغير سوية والوقوف عليها وعلاجها، ونشر ثقافة الحب والاحترام المتبادل بين منسوبي المدرسة، مع توعية الجميع بالحقوق الواجبة لهم وعليهم، لفرض الرقابة الذاتية والمدرسية على حد سواء، والاهتمام بجوانب الأنشطة الجماعية التي تعزز روح التآلف والتعاون والتعاطف والأخلاق الفاضلة.
معيض الربيعي
التنمر في مدارسنا
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/221636/