تُولي وزارات التعليم الكبير والكثير من العناية بالمرحلة الابتدائية كونها تعد المرحلة الأساسية، وبداية النقش العلمي والفكري في ذهن الطالب، والذي يستمر معه طوال حياته العمرية، إضافة إلى كونها مرحلة الحقل الخصيب الذي يجب أن نغرس فيه بذور حياته الاجتماعية المستقبلية، فكان لزاماً أن نقيس إتقان الطالب لتلك المهارات الأساسية ونواتج التعلم بُغية الوصول للمعايير المرجوة، ولتحقيق المخرجات التعليمية المستهدفة والمنشودة.
وقد شهد التقويم التربوي الخاص بالمرحلة الابتدائية في المملكة العربية السعودية نقلة نوعية بالانتقال من نظام الاختبارات التقليدية، والذي لا يخفى على متخصص في هذا المجال سلبياته وقصوره في التقويم، مقارنة بالتقويم المستمر والذي يستخدم فيه المعلم أساليب وأدوات متنوعة من التقويم كالاختبارات التحريرية والشفهية والمناقشة وسجل التقويم والملاحظة والاستنتاج، بشكل مستمر بالتزامن مع عملية التعليم، مع تفعيل دور التغذية الراجعة، مما يتيح قياس تعلم الطالب بشكل صادق. والحكم على تلك المؤشرات بشكل أكثر دقة. فضلاً عن كونه يركز على إتقان الطالب للمهارات الأساسية في المقرر ولا يغفل المهارات في حدها الأعلى، بعكس الاختبارات التقليدية التي تركز على نجاح الطالب بغض النظر عن إتقانه للمهارات الأساسية المطلوبة من عدمه.
وتاريخياً تعد اليابان من الدول السّباقة إلى تطبيق هذا الأسلوب من أساليب التقويم، وتبعها الكثير من دول العالم في ذلك، كالمملكة العربية السعودية مواكبة حركات الإصلاح التربوي العالمية. والذي كان باكورة تطبيقه الفعلي على الصفوف الدنيا في المرحلة الابتدائية عام 1419ه، ثم طبقته تدريجياً على بقية صفوف المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة المتوسطة والثانوية على مقرر القرآن الكريم وبعض مواد اللغة العربية.
وبعد كل هذه السنوات من تطبيقه والعمل به، نجد الكثير يسأل لماذا نجح التقويم المستمر في اليابان كمثال؟ في حين أثبتت الدراسات الاستقصائية والمسحية في المملكة العربية السعودية وجود مخرجات ضعيفة علمياً ومعرفياً ومهارياً؛ عازية السبب لتطبيقه. وفي المقابل نجد اليابان نجح في تطبيق التقويم المستمر، وما استمرارية حصولها على المراكز الأولى في الاختبارات الدولية، إلا مؤشر واضح وموضوعي على جدوى هذا النوع من التقويم وكفاءته، بعكس النتائج والمراكز المتدنية التي حصل عليها طلاب المدارس السعودية محلياً ودولياً.
وإذا ما استعرضنا دراسات كل من (أبو حثرة، 1430ه) و (السحيم، 1431ه) و (طبيقي، 1432ه) التي أجريت على واقع التقويم المستمر في المملكة العربية السعودية، نجد نتائج تلك الدراسات تشير مجتمعة إلى معوقات كثيرة أدت إلى ضعف مخرجات التقويم المستمر، كضعف في إعداد المعلم أثناء دراسته الجامعية في جانب التقويم المستمر، وكذلك عدم إلمام كثير من المعلمين بالطريقة الصحيحة لتطبيق التقويم المستمر بشكل شامل ومتكامل، مع ضعف في جانب الالتزام بالتعليمات واللوائح الخاصة بأساليبه، والاكتفاء بتقويم مهارات الحد الأدنى فقط، ويأتي ذلك متزامناً مع كثرة الطلاب في الصف الواحد وعدم توافر تقنيات تعليم حديثة في أغلب المدارس. كما أشارت تلك الدراسات إلى ندرة الدورات التدريبية الخاصة بأساليب وأدوات ومهارات تطبيق التقويم المستمر. وبهذا يتضح جلياً أن الإشكالية ليست في النظام نفسه وإنما في طريقة تطبيقه والأخطاء المصاحبة لذلك!
معيض الربيعي
التقويم المستمر .. بين التعليم الياباني والسعودي
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/220078/