فقد عظَّم الإسلام شأنَ الصلاة، ورفع ذِكرَها، وأعلى مكانتَها، فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)[1].
والصلاة هي أول ما يُسأل عنه العبدُ يوم القيامة، عن عبدالله بن قرط - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أول ما يُحاسب به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، فإنْ صلحتْ صلح سائرُ عمله، وإن فسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عمله)[2].
والصلاة هي الفارق بين المسلم والكافر قال - تعالى -: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[التوبة:11].
عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ)[3]، والصلاة حاجز بين العبد والمعاصي قال - تعالى -: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت:45].
وكان من آخر وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعالج سكراتِ الموت: (الصلاةَ الصلاةَ، وما ملكتْ أيمانُكم)[4].
ولها فضائل عظيمة:
منها: أنها كَفَّارةٌ للخطايا والذنوب قال - تعالى -: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود:114].
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدِكم يغتسلُ منه كلَّ يوم خمسَ مرات هل يبقى مِن درنه شيءٌ؟)، قالوا: "لا يبقى من درنه شيء"، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يَمْحُو اللهُ بهن الخطايا)[5].
ومنها: أن هذه الصلاة نور للعبد عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الطهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزانَ، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجة لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو فبائعٌ نفسَه، فمعتِقُها أو مُوبقُها)[6].
ومنها: أن المسلم يبلغ بالصلاة والزكاة والصيامِ مقامَ الصدِّيقين والشهداء؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: كان رجلانِ من بني قضاعة أسلما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشهد أحدهما، وأُخِّر الآخرُ سَنةً، قال طلحة بن عبيدالله: فأُريتُ الجنةَ، فرأيتُ فيها المؤخَّرَ منهما أُدْخِلَ قبل الشهيد، فعجبتُ لذلك، فأصبحت فذَكرتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذُكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة صلاة السنة؟)[7].
والصلاة يجب أن تؤدَّى في أوقاتها المحددة شرعاً قال - تعالى -: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)[النساء:103] قال البخاري: موقتاً وقته عليهم.
وأداء الصلاة في وقتها من أحبِّ الأعمال إلى الله؛ عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها)، قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين)، قال: ثم أي؟ قال: (الجهادُ في سبيلِ الله)[8].
ومما جاء في التَّرْهِيبِ من تأخير الصلاة عن وقتها حديثُ رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - الطويلُ، وجاء فيه: (أتاني الليلةَ آتيانِ، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به في المرة الأولى، ثم قالا له: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن، فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة)[9].
وهذه الصلاة يجب أن تؤدَّى في بيوت الله - عز وجل - قال - تعالى -: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً)[النساء:102].
فبيَّنت الآية وجوبَ صلاة الجماعة في حال الحرب، ففي حال السلم من باب أولى.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوهما ولو حبواً، ولقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)[10] قال بعض أهل العلم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما همَّ بذلك إلا أن هؤلاء المتخلفين قد ارتكبوا ذنباً عظيماً.
وجاء في ذِكر السبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظل إلا ظله: (ورجلٌ قلبُه معلَّق بالمساجد)[11]، والمساجد بيوت الله مَن دخلها فقد حلَّ ضيفاً على ربه، فلا قلب أطيب، ولا نفس أسعد؛ من ضيف حلَّ على ربِّه في بيته، وتحت رعايته، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسجد بيتُ كل تقيٍّ، وتكفَّل الله لمن كان المسجد بيتَه بالروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة)[12].
وهذه الضيافة تكون في الدُّنيا بما يحصل في قلوبهم من الاطمئنان والسعادة والراحة، وفي الآخرة
معيض الربيعي
الصلاه ومكانتها في الاسلام
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/219949/