ماإن تتكلم عن طاعة ولي الأمر إلا وترمى بأبشع الألقاب واشنعها ولم يعلم هذا المشنع المسكين بأن طاعة ولاة الأمور المسلمين في غير معصية الله أصل من أصول أهل السنة والجماعة وواجب يأثم المسلم بتركه فعن أبي ذر رضي الله عنه قال :( إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع و أطيع ، و عن كان عبداً مُجّدَّعَ الأطراف) و لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(عليك السمع و الطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثَرَة عليك)وقال النبي صلى الله عليه وسلم ايضا:(من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة)وقال الإمام ابن تيمية :( الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة و الجماعة )[المجموع28/179] .
ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم امته بالصبر فقال:(من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية) وقال صلى الله عليه وسلم:(يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ، فقال حذيفة :كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع للأمير وإن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع ) كل مامضى من هذه الأحاديث مخرج في صحيح مسلم ،وقال صلى الله عليه وسلم :( إنكم سترون بعدي أَثَرَة و أموراً تُنكرونها ، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : أدّوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم ) [ رواه البخاري ]وعن أنس رضي الله عنه :( كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوننا عن سبِّ الأمراء )أخرجه ابن عبد البر في التمهيد ،أما العالم السلفي البصير أمثال الحسن الذي يقول ” إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم و إذا أدبرت عرفها كل جاهل “ .ويقول : ” والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَلِ سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلوا إليه ، و والله ما جاءوا بيوم خير قط، ثم تلا : { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ، وما كانوا يعرشون } ” [ الشريعة للآجري ] و كان رحمه الله إذا قيل له : ألا تخرج تغير ؟! يقول :” إن الله إنما يغير بالتوبة ولا يغير بالسيف” و انطلق إليه نفر يشكون إليه الحجاج و يقولون ما تقول في هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام و أخذ المال الحرام و ترك الصلاة و فعل و فعل ؟! فقال : ” أرى أن لا تقاتلوه فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم ، و إن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ” فما أطاعوه و سخروا منه فخرجوا على الحجاج مع ابن الأشعث فقتلوا جميعاً وقد أخرجوه رغماً عنه في جيش ابن الأشعث لما خرج على الحجاج فغافلهم الحسن و ألقى بنفسه من الجسر و لم يبق معهم .
و كان ينهى عن الخروج مع ابن الأشعث و يأمر الناس بالكف و يقول : ” يا أيها الناس ! إنه و الله ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف ، ولكن عليكم السكينة و التضرع “
و إن العالم السني الصحيح يعرف أن هذه الفعال خروج عن الطريقة الشرعية و انشقاق عن السبل السوية .
و أمثال الإمام ابن باز الذي يقول : (الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً فيختل به الأمن ، وتضيع الحقوق ) [المعلوم-9] .
قال الإمام ابن رجب : ( النصيحة لأئمة المسلمين حبُّ صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم و التدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم ) [ جامع العلوم و الحكم 1/222] ، وقال البربهاري : ( أمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعوا عليهم وإن ظلموا وجاروا لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم و المسلمين ) [ شرح السنة 114]
و النصح لولي الأمر يكون سراً لا علناً كي لا تثور عليه الدهماء ! ولا ي دخل في الأمر من ليس بأهله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أراد أن ينصح لسلطانٍ بأمر فلا يُبْدِ له علانية ، ولكن ليأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا فقد أدّى الذي عليه له ) رواه أحمد وهو صحيح
و أمثال الإمام ابن عثيمين الذي يقول : ( الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان وألا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور فهذا عين المفسدة و أحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس ) [ المعاملة – 32]
قال الإمام الطحاوي : ( ولا نرى الخروج على أئمتنا و ولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة مالم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح و المعافاة ) فقال الإمام الألباني معلقاً قد ذكر الشارح في ذلك أحاديث كثيرة تراها مخرجة في كتابه ثم قال : و أما لزوم طاعتهم و إن جاروا فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ؛ فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، و الجزاء من جنس العمل ، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار و التوبة و إصلاح العمل ، قال تعالى{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30) ، {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام:129) فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير ، فليتركوا الظلم !
قلت: وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم (من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ويصححوا عقيدتهم ، ويربّوا أنفسهم و أهليهم على الإسلام الصحيح ، تحقيقاً لقوله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد:11) ، وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله : (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تَقُمْ لكم على أرضكم ) ، وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس – وهو الثورة و السلاح على الحكام بواسطة الإنقلابات العسكرية – فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر : فهي مخالِفة لنصوص الشريعة التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس) [ شرح الطحاوية للألباني ]
أما هذه المظاهرات و الاعتصامات فقد حرمها علماء هذا العصر أمثال الألباني و ابن باز و العثيمين و غيرهم .
1 ping