أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ يتصل أشد الاتصال بـ: "سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو "الرضا"، أي أن ترضى عن الله، انطلاقاً من قوله تعالى:
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
[ سورة البينة الآية : 8 ]
الإمام الجنيد ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: الرضا هو العلم، أنت حينما تعلم حكمة الله، ورحمته، وعدله، لابد أن ترضى عنه، وحينما تنطلق من حقيقةٍ في الإيمان دقيقة وهي أن كل شيءٍ وقع أراده الله، وأن كل شيءٍ أراده الله وقع ، لأنه لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، ومعنى يريد أنه سمح بذلك، قد يسمح ولم يأمر، وقد يسمح ولم يرضَ.
أيها الأخوة الكرام، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فالشر المطلق لا وجود له في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله، هناك شر نسبي.
كل أنواع الشرور في الأرض هي شرور موظفة للخير المطلق
الإنسان أحياناً حينما يُفتح بطنه، ويخدر، وتستأصل الزائدة الدودية، هذا شرٌ نسبي من أجل سلامته، ومن أجل استمرار حياته، فدائماً كل أنواع الشرور في الأرض هي شرور موظفة للخير المطلق، لذلك ننطلق في هذا المعنى الدقيق من قوله تعالى:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
[ سورة الفجر ]
أي الإنسان إذا أكرمه الله بنعمٍ لا تعد ولا تحصى في الدنيا يتوهم أن هذا إكرامٌ له، وحينما يزوي الله عنه نعمةً لحكمةٍ بالغةٍ بالغة يتوهم أن الله أهانه، فجاء الجواب الإلهي:
﴿ كَلَّا ﴾
[ سورة الفجر الآية : 17 ]
كلا ليست أداة نفي، أداة ردعٍ ونفيٍ، لو أن إنساناً سُئل هل أنت جائع ؟ يقول: لا، أما إذا قيل له: هل أنت سارق؟ ـ وهو إنسان ذو أخلاق عالية جداً ـ لا يقول: لا، يقول: كلا، أي ما كان لي أن أسرق، ولا أن أقبل بالسرقة، ولا أن أدعو إليها، ولا أن أرضى بها، ولا، ولا، علماء اللغة عددوا أكثر من عشر حالات نفي بهذه الصيغة "وما كان"، فالله عز وجل قال:
﴿ كَلَّا ﴾
أي:
(( يا عبادي ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء ))
معيض الربيعي
الرضا في السراء والضراء
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/219085/