قد يحتاج الإنسان في دعوته لغير المسلمين، أو للمسلمين الغافلين لدين الله جهدًا كبيرا، فيجتهد في انتقاء أحسن العبارات وأرقها، وربما يواجه بالصد والإعراض، بينما تجده أحيانًا يتكلم بكلمة عابرة لا يلقي لها بالا فيلتقطها جاهل لكنه صاحب فطرة سليمة صحيحة فينتفع بها إلى حدٍّ لم يكن في حسبان صاحب المقال، ولعل في قصة الأصمعي مع الأعرابي ما يجلي هذه الصورة ويزيدها وضوحًا.
قال الأصمعي: أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابيٌ جَلِف جاف على قَعُودٍ له، متقلِّدا سيفه وبيده قوسه، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع، قال: أنت الأصمعي ؟ قلت: نعم. قال: ومن أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن؛ قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم؛ قال: فاتل علي منه شيئا؛ فقرأت {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} إلى قوله: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} فقال: يا أصمعي حسبك!! ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها، وقال: أعني على توزيعها؛ ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما ووضعهما تحت الرَّحل وولى نحو البادية وهو يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فمقتّ نفسي ولمتها، ثم حججت مع الرَّشيد، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي وهو ناحل مصفر، فسلم علي وأخذ بيدي وقال: اتل علي كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام فقرأت {وَالذَّارِيَاتِ} حتى وصلت إلى قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فقال الأعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقا، وقال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم؛ يقول الله تبارك وتعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قال فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله! من الذي أغضب الجليل حتى حلف! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجأوه إلى اليمين ؟ فقالها ثلاثا وخرجت بها نفسه.
معيض الربيعي
الفطرة السليمة…..
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/218303/