إن من نعمة الله على هذه الأمة وتشريفه لها أن جعلها أمة وسطا خيارا عدولا ، فهي خير الأمم التي أخرجت للناس وقد وصفها المولى عز و جل وشهد لها بذلك فقال:"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران:110) فالوسط والمسلك الوسط هو مسلك الإسلام، وهو الخيار، والوسط هو ما يكون بين الطرفين طرفي الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء .
فالوسطية هي المنهج الرباني ، والنظام الكوني الإلهي ، وسنة اللَّه في خلقه ، وهي تنسجم مع الفطرة الإنسانية ، ولذلك فالخير كلُّه في الوسطية التي جاء بها الإسلام للأمة الإسلامية وللإنسانية جمعاء ، في كل زمان ومكان . وقد بلغت الوسطية الإسلامية هذا المقام في حضارتنا ، لأنها بنفيها الغلو الظالم والتطرف الباطل ، إنما تمثل الفطرة الإنسانية الطبيعية في براءتها ، وفي بساطتها ، وبداهتها ، وعمقها ، وصدق تعبيرها عن فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها ، فالإسلام دين الحق والاعتدال والسماحة والسلام، والسمو والرقيِّ، وكل ما صادم هذه المبادئ، واصطبغ بأضدادها، عُدَّ خارجاً عن الإسلام· وإن الميزة الاساسية التي ميّز الله تعالى بها هذه الامة عن باقي الامم هي ميزة «الوسطية والاعتدال» فان تخلت عنها الأمة تخلت عن أبرز معالمها، وعن اجمل صورها، وقد مدح الله تعالى هذه الأمة بقوله: «وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا». فالدين الإسلامي دين الوسطية والاعتدال فلا اسراف ولا تقتير، ولا بخل و لا تبذير، ولا تطرف ولا غلو، ولا افراط ولا تفريط.