أحبتي في الله يعتمد أمر تعليم الصلاة للأطفال والناشئة على جملة من الأسس والمباني لابدّ لمن يتكفّل بأمر التعليم أن يلمّ بها.
ولا يخفى أن أسس ومباني علم من العلوم هي بمثابة العمود الفقري والهيكل الرئيسيّ الذي يقوم عليه باقي البناء، والذي يلعب دوراً استثنائيّاً في استحكام البناء واستمراره. والحقيقة أنّ جميع النشاطات والأساليب المتّبعة في علمٍ معيّن قائمة على أسس ذلك العلم وأصوله. ونُشير فيما يأتي إلى أهم الأسس التي يقوم عليها تعليم الصلاة للأطفال والناشئة:
1 ـ أساس تطابق المسائل الدينيّة مع الفطرة.
2 ـ أساس كون المسائل الدينيّة اختياريّة لا جبريّة.
3 ـ أساس التدرّج في تعليم المسائل الدينيّة.
4 ـ أساس الاعتدال في تعليم المسائل الدينيّة.
5 ـ أساس التكرار والمداومة في تعليم المسائل الدينيّة.
6 ـ أساس المرونة والليونة في تعليم المسائل الدينيّة.
7 ـ أساس التعاون والانسجام بين البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام وغيرها في تعليم المسائل الدينيّة.
1 ـ أساس تطابق المسائل الدينيّة مع الفطرة:
إنّ جميع الأطفال لهم بالفطرة طبيعةُ حبّ الاستطلاع، وهم يحبّون أن يحصلوا على أجوبة عن أسئلتهم واستفساراتهم، كما إنّ لهم ـ بالفطرة ـ نزعة إلى العبادة والدعاء. ونلاحظ أنّ هؤلاء الأطفال ـ على سبيل المثال ـ إذا أحسّوا من الأشخاص الكبار عطفاً وحناناً ومحبّة، فإنّهم ـ على الرغم من عجزهم عن إبداء الشكر والامتنان بصورة واضحة ـ سيُبدون مشاعر شكرهم وامتنانهم عن طريق ابتساماتهم ونظراتهم البريئة المتوهّجة بالسرور والجذل. وتؤيّد التجارب والمشاهدات أنّ الأطفال ذوو قابليّة كبيرة في تعلّم المسائل الدينيّة وتقليد حركات وكلام مَن يَكبرهم في هذا الشأن، قياساً على سائر المظاهر السلوكيّة والموضوعات الأخرى، وهو أمر له دلالة على كَون عبادة الله عزّوجلّ قضيةً فطريّة مركوزة في فطرة الأطفال.
يقول الله تبارك وتعالى في قرآنه الكريم: فَأْقِمْ وَجْهَكَ للدِّينِ حَنيفاً فِطرةَ اللهِ التي فَطَر الناسَ عَلَيها لا تبديلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلكَ الدينُ القَيّمُ ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يَعلَمون (1). وإذا ما لوحظ أنّ بعض الأطفال والناشئة لا يبدون رغبة في تعلّم المسائل الدينيّة، فإنّ ذلك يرجع إلى عوامل محيطيّة سبّبت انحراف فطرة الطفل عن مسارها.
ومن المؤسف أنّ بعض الآباء الذين لا يولون المسائل الدينيّة اهتماماً كافياً، وبعضهم الآخر الذين يتعاملون مع أطفالهم بشدّة، وبعضهم الذين يستخدمون أساليب تعليميّة خاطئة بسبب جهلهم بسيرة المعصومين عليهم السّلام، كلّ هؤلاء سيتسبّبون في تربية أولادهم بطريقة تجعلهم ينفرون من المسائل الدينيّة، أو لا يولونها اهتماماً كافياً.
2 ـ أساس كون المسائل الدينيّة اختياريّة لا جبريّة :
وينبغي في أمر دعوة الأطفال والناشئة للقيام بالواجبات الدينيّة أن يكون على نحوٍ يحسّون فيه بحريّتهم في القيام بتلك الواجبات. وإذا أخذنا نصب أعيننا أن الإنسان يميل بفطرته إلى عبادة الله تبارك وتعالى، فإنّ علينا ـ من خلال الأساليب الصائبة ـ أن نوقظ في نفوس الناشئة هذه الفطرة، ونسوقها باتّجاه قبول أوامر الدين. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يُوصي أصحابه بالرفق واللين في دعوة الناس إلى الإسلام. وثبت بالتجربة أنّ أحداً لا يمكن سَوقه إلى جادّة الهدى بالقوّة والإكراه. يقول الله عزّوجل في قرآنه الكريم: أفأَنتَ تُكرِهُ الناسَ حتّى يكونوا مُؤمنين (3).
وإذا أمعنا النظر في قوله تعالى لا إكراه في الدّينِ قد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِن الغَيّ (4)
ومن الأفضل أن نحترز عن إجبار الأطفال والصبيان على القيام بواجباتهم الدينيّة، ومن الأفضل ـ كذلك ـ أن لا نرغّبهم في القيام بتلك الواجبات بالتلويح لهم بهدايا كبيرة مُغرية؛ لأنّ هذين السلاحين ـ التهديد والتطميع ـ لن يُثمرا في جعلهم عقائديّين متديّنين، لأنّ الإسلام لا يريد مثل هذا الاعتقاد القائم على أساس الخوف والإكراه، ولا الاعتقاد الناشئ من الطمع في استجلاب منفعة دنيويّة عاجلة.
وحين ينشأ الصبيّ في محيط سالم من الانحرافات، وفي محيط يُقدَّم له فيه الدين على نحوٍ منطقيّ مناسب، فإنّ الدين الذي سيتقبّله بفكره الانتزاعيّ سيكون ديناً متيناً غير وراثيّ وغير مشوب بشوائب الرياء والتصنّع.
3 ـ أساس التدرّج في تعليم المسائل الدينيّة.
ونلاحظ تاريخيّاً حقيقة أنّ التعاليم الإسلاميّة نزلت بالتدريج، وأنّ القرآن أُنزل تدريجاً، في حين يُشاهد ـ وهذا ممّا يؤسف له ـ أن بعض الآباء والمربّين يحاولون إيصال المتعلّمين إلى الصورة التي يرسمونها في أذهانهم بسرعة ومن دون تريّث ولا تدرّج، مع أنّ المختصّين بأمور التربية والتعليم يؤكّدون على أنّ أيّ رسالة تربويّة إذا ما نُقلت إلى الطفل بسرعة وعجلة ومن دون ترك فرصة للطفل للتلقّي الصحيح، فإنّ الاستجابة لتلك الرسالة التربويّة ستكون ظاهريّة فقط وغير دائمة. ومن هنا كان من الأفضل أن يُترك للطفل فرصة ـ ولو يسيرة ـ لهضم واستيعاب ما تلقّاه، وإلاّ صار ما يتلقّاه سطحيّاً سريع الزوال.
وفي الحقيقة أنّ الانسجام والتعاون المشترك بين قابليّة الطفل المتعلّم من جهة، والإمكانات التربويّة المناسبة من جهة أخرى يتطلّبان سرعة معيّنة يؤدّي زيادتها أو تقليلها إلى اختلال العملية التربويّة، بل إلى اختلال التعادل في شخصيّة المتعلّم.
أساس الاعتدال في تعليم المسائل الدينيّة
الاعتدال هو الحجر الأساس الذي تقوم عليه التعاليم الإسلاميّة، بحيث أكّدت جميع تلك التعاليم على رعاية الاعتدال وعلى اجتناب الإفراط والتفريط.
وأساس الاعتدال من جملة الأسس التي عُني بها القرآن الكريم، حيث يقول الله تبارك وتعالى: وكذلكَ جَعَلناكُم أُمّةً وَسَطاً (7). ويُلاحظ ـ مع الأسف ـ أنّ بعض الآباء والمربّين الذين يفتقرون إلى الاطّلاع على سيرة أهل البيت عليهم السّلام ووصاياهم وتعاليمهم في مجال التربية، يرتكبون بعض الأعمال التي تضرّ بعقائد الأطفال والناشئة. ويُشاهَد أنّ الاهتمام الزائد لبعض الآباء في تنشئة أبنائهم نشأة دينيّة من دون رعاية لقابليّات أبنائهم واحتياجاتهم الروحيّة والفكريّة، ومن دون رعاية لحدّ الاعتدال في التربية، يؤدّي إلى عواقب وخيمة، ويكرّه لدى هؤلاء الأبناء واجباتهم الدينيّة.
أساس التكرار والمداومة في تعليم المسائل الدينيّة
التكرار والاستمرار في عملٍ ما يؤدّيان إلى إتقان ذلك العمل وإلى رسوخه في النفس.
ولا يُماري أحد في أنّ تعلّم أيّ مهارة إذا لم يتزامن مع العمل بها وتكرارها فإنّ تلك المهارة سرعان ما تُنسى. ولذلك يوصي مختصّو التعليم أن يُصار إلى استخدام وسيلة التكرار لدى الأطفال من أجل الوصول إلى إيجاد سلوك ثابت وعادة دائمة لديهم. ويصدق أمر العمل والتكرار حتّى في شأن الإيمان الذي يؤدّي العمل إلى تثبيته ويمكن تشجيع الأطفال للقيام ببعض العبادات، أو لحضور المسجد، فيكون فِعلهم لتلك العبادات مقترناً بالخاطرة اللذيذة التي حصلت لهم من قبل، ثمّ إنّ الأمور المعنويّة للعبادات وللمساجد ستجذبهم نحوها تلقائيّاً.
أساس المرونة والليونة في تعليم المسائل الدينيّة
أكّد رسول الله صلّى الله عليه وآله في مناسبات مختلفة على أنّ الإسلام دين اليُسر، ونهى عن أن يُضيِّق الرجلُ على نفسه في العبادة. ونُلفت نظر أولياء الأمور والمربّين إلى ضرورة الرجوع إلى سنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسيرة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام في هذا الخصوص.
أساس التعاون والانسجام بين البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام في تعليم المسائل الدينيّة
من الأمور المؤثّرة في تكوين الشخصيّة العلميّة والمعنويّة للطفل أمر التعاون البنّاء والانسجام بين البيت والمدرسة والمجتمع ( المسجد ووسائل الإعلام و... )؛ لأنّ كلّ واحد من هذه المراكز يكمل عمل الآخر في إنجاح العمليّة التربويّة.
ويلزم المدارس في عصرنا الحاضر أن تسعى لإيجاد علاقة واقعيّة وباطنيّة لحضور الطلاّب المستمرّ في المساجد وإيجاد علائق وثيقة بينهم، ويجب ألاّ يُكتفى بتشييد قاعة في المدرسة يصلّي فيها الطلاّب ـ على الرغم من أهميّة هذه الخطوة وإيجابيّتها ـ لأنّ التأثيرات الايجابيّة للمساجد تفوق هذا المقدار بكثير. وفي الحقيقة أنّ البيت والمدرسة والمجتمع ( المسجد و.... ) إذا لم تُوجِّه الجيلَ الجديد نحو هدف واحد وُفق أساليب واحدة، فإنّ تقدّم وانتشار الثقافة الدينيّة سيكون أمراً متعذَّراً.
معيض الربيعي
أطفالنا وأسس تعليمهم الصلاة
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/217458/