تسعى المجتمعات لإعداد المواطن الصالح من خلال إعداد خطة متكاملة منظمة لعمليات التربية والتعليم. وتهتم جميع دول العالم بتطوير التعليم وتصرف عليه ميزانيات ضخمة، ويشمل التطوير جوانب مختلفة مثل إعداد المعلمين وتدريبهم واستخدام الطرائق الحديثة في عملية التعليم، وتنظيم بيئة التعلم، والاستفادة من التقنيات الحديثة، وتطوير المقررات الدراسية...
ويمكن القول أن استراتيجيات التدريس الحديثة تلعب دورًا مهمًا في تحقيق أهداف التعليم، فالاستراتيجية التي يستخدمها المعلم في إيصال المحتوى بجميع مكوناته، تحتاج إلى معلم ينظر إلى عملية التدريس على أنها محاولة مخطط لها لمساعدة المتعلم على اكتساب المعارف أو المهارات أو الاتجاهات أو الأفكار أو القيم. مع ملاحظة أن الهدف الأساسي لعملية ا لتدريس يتمثل بتعليم المتعلمين كيف يفكرون، وليس كيف يحفظون المقررات الدراسية دون استيعابها وتوظيفها في حياتهم. ويعرف الخليفة و مطاوع (1436هـ،ص24) التدريس الفعال بأنه" موقف تعليمي تعلمي، مخطط له بعناية فائقة، ومنفذ بصورة متقنة وشائقة، من أجل إنماء المتعلم إلى أقصى ما تسمح به إمكاناته، تحت إشراف المعلم وتوجيهه، وفق ما هو متاح من إمكانيات تعليمية".
إذا تأملنا في واقع استخدام معلمي الرياضيات لطرائق التدريس الحديثة في مدارس التعليم العام، نجد عزوفاً عن استخدامها فمنهم من لا يقوم بتفعيلها أو توظيفها التوظيف السليم لعدم معرفته بها أو عدم الإلمام بكيفية تنفيذها فقد أشارت عدد من الدراسات إلى عزوف عنها واعتماد على طرائق تدريس اعتيادية مثل دراسة ريم العتيبي (2012م) ودراسة الزهراني (1429هـ) ودراسة العبودي (2012م) حيث أكدت جميع الدراسات السابقة على أن تعليم الرياضيات في المدارس مازال يقتصر على طرائق التدريس وأساليب التقويم التقليدية، الأمر هذا أدى إلى إغفال دور المتعلم في العملية التعليمية. وعندما بحث بل (Bell,1989) عن أسباب صعوبات تعلم الرياضيات ذكر من ضمنها وجود قصور في الاستراتيجيات التي يستخدمها المعلمون لتعليم وتعلم الرياضيات أو عدم ملاءمة هذه الاستراتيجيات لبعض المتعلمين، وهذا ما أشار إليه عفانة وآخرون (2012م) أن من أسباب صعوبة تعليم الرياضيات استخدام طرائق غير مناسبة في عرض الموضوعات وحل التمارين، وقد توصلت دراسة العليان (1426هـ) إلى وجود ضعف في أداء معلمي الرياضيات في تحديد طرائق التدريس المناسبة واقتصارهم على طريقة المحاضرة والطريقة الاستنتاجية كما أن مهارات عرض الدرس لدى معلمي الرياضيات لم تصل إلى درجة التمكن المطلوب،وكذلك ضعف أدائهم لمهارة ربط المحتوى الرياضي بالتطبيقات الحياتية والعملية ولمهارة طرح أسئلة مثيرة للتفكير.
وذكرت دراسة بثينة بدر(2005م) أن التدريس التلقيني هو الغالب في تدريس الرياضيات،وأن المناخ الصفي لا يرقى إلى المستوى المطلوب من التفاعلات التي تشجع على الإبداع بين المعلمات وطالباتهن. وفي دراسة أخرى لبثينة بدر(2006م) توصلت الدراسة إلى سيادة التعليم القائم على أسلوب التعليم المباشر في تدريس الرياضيات،بينما طرائق التدريس التي تهيئ الطالبات للعصر الحديث تستخدم بدرجة ضعيفة جداً.
ومن خلال استعراض لبعض الدراسات مثل كل من دراسة عبدالعزيز (1426هـ) ودراسة جان(2008م) ودراسة العبدالكريم (1432هـ) ووجهات نظر المعلمين حول هذه القضية سواءً عن طريق ورش العمل التربوي أو ما يدور بين المعلمين من حوارات تربوية يمكن أن نرجع عدم استخدام طرائق التدريس الحديثة إلى أسباب عديدة من أبرزها :
1. ضعف في فهم وجود الفلسفة التربوية التي يستند إليها المعلم في اختيار طريقة التدريس المناسبة .
- وجود قصور عند بعض المعلمين في الإلمام بخصائص المتعلمين ومستوى تعلمهم، مع إن طبيعة المتعلمين تعد عاملاً مؤثراً في اختيار طريقة التدريس.
- زيادة أعداد الطلاب في الفصول الدراسية من أبرز العوامل التي أدت إلى إعاقة استخدام المعلم لطرائق التدريس الحديثة.
- العبء التدريسي للمعلم ومنها كثرة الحصص والأعمال الإشرافية داخل المدرسة وخارجها.
- ضعف في وعي المعلم بأهمية استخدام طرائق التدريس الحديثة وسهولة استخدامها.
- ثقافة البيئة التربوية والتي تعزز التعليم الكمي للمعارف وتهمل الجودة والديمومة.
- ضعف الاهتمام بالجانب العملي في الجامعات كإعداد المعلمين وتدريبهم على استخدام الطرائق الحديثة للتدريس ووجود الفجوة بين النظرية والتطبيق، حيث نجد أنها تدرس الأمور النظرية فقط.
- قد يُفاجأ المعلم حديث التخرج بنوع من الإحباط من المعلمين القدامى لذا نجده يتجاهل استخدام طرائق التدريس الحديثة ويساير الواقع كما هو الحال عند زملائه الآخرين.
- قصور في تفعيل بعض أساليب التدريس الحديثة من قبل بعض المشرفين التربويين في آلياتهم وأساليبهم الإشرافية وبرامجهم التدريبية.
- ضعف في قدرة المدرسة على توفير الإمكانيات والتجهيزات اللازمة والتي تساعد المعلم على اتباع طرائق التدريس المعاصرة.
- عدم الاهتمام عند القيام ببناء المناهج بأساليب التدريس الحديثة حيث يُقدم المحتوى فيها بصورة لا تثير اهتمام المعلم أو تفتح ذهنه نحو استخدام أحدث طرائق التدريس.
12.قصور في البرامج التدريبية المقدمة للمعلمين لمهارات التعلم الذاتي، والتي تثير تفكيرهم نحو استخدام أساليب التدريس الحديثة.
13.اعتياد المعلمين على طرائق التدريس الاعتيادية والخوف من تجربة طرائق حديثة للتدريس على اعتقاد أن ذلك سوف يؤخرهم عن إنهاء المقرر الدراسي في الوقت المحدد أو عدم استيعاب الطلاب لها ونحو ذلك. - عدم انسجام المشرف التربوي ومدير المدرسة مع المعلم وإثارة دافعيته، ومعلوم ما لهذا لانسجام من أثر كبير جداً في إعطاء المعلم دفعة نحو البذل والعطاء.
- نظام التقويم وأساليبه (الاختبارات) والتي تعتمد على الحفظ واسترجاع المعلومات والمعارف.
هل تمنع المعوقات السابقة من استخدام طرائق التدريس الحديثة ؟
بالرغم من وجود هذه المعوقات فإنها قد لا تكون حجر عثرة أمام معلم له إرادة قوية ولديه دافعية جيدة نحو التغيير والتجديد المستمر واتباع أحدث طرائق التدريس وأنفعها لطلابه فالهدف من استخدام أي طريقة من طرائق التدريس هو توصيل الأفكار والمعلومات إلى أذهان المتعلمين بطريقة سهلة وميسرة ، وأساليب التدريس بين كل المعلمين لا تتفق مع بعضها البعض فكل معلم له أسلوبه الخاص وطريقته الخاصة.. ولكن هناك سؤالٌ مهمٌ وهو ، هل يريد المعلم أن يطور نفسه أم لا؟
فكتب التربية مليئة بطرائق التدريس الحديثة وأساليب تنفيذها وطرائق استخدامها وبالتالي يستطيع المعلم أن يطلع على كل ما يستجد في الميدان، من الفترض أن يكون المعلم قد دخل مرحلة النضج العلمي ويستطيع أن يميز الصحيح من الخطأ وأن يقف ويعلم نفسه ذاتياً ويقدم لنفسه التغذية الراجعة حتى ينمو مهنياً ويتحسن أداؤه وبالتالي يصل إلى درجة الإبداع، لكن يبقى عامل مهم وهو من يثير دافعية ذلك المعلم؟
خطوات المعالجة: - أن تهتم مؤسسات إعداد المعلمين بالجانب التطبيقي وأساليب التدريب العملي لطرائق التدريس الحديثة وموازنة ذلك مع الجانب النظري والتطبيق.
- أن تهتم الإدارة العامة للتدريب التربوي عند تصميم البرامج التدريبية للمعلمين بالتركيز على طرائق التدريس الحديثة نظرياً وعملياً.
- أن تقوم وزارة التعليم بعمل خطط إستراتيجية نحو تخفيف أعداد الطلاب المتزايدة بزيادة إنشاء المدارس الحكومية المجهزة بالإمكانيات والوسائل اللازمة إضافة إلى العمل نحو تخفيف الأعباء الملقاة على عاتق المعلم مما يساعد على أن يعمل في جو مريح يساعده على الأداء الجيد والإبداع المستمر.
- أن يُراعى في برامج الإعداد التربوي للمعلم قبل الخدمة وأثنائها مهارات التعلم الذاتي والتي تحقق للمعلم نمواً مهنياً مستمراً تصل به إلى درجة الإبداع ومسايرة تطورات العصر.
- أن يُراعى عند بناء المناهج تقديم دليل علمي لكيفية تعامل مع المحتوى بصورة تثير اهتمامات المعلمين نحو استخدام طرائق التدريس الحديثة.
- أن يقوم كل من المشرف التربوي ومدير المدرسة بتوعية المعلمين وحثهم على أهمية استخدام أساليب التدريس الحديثة وأثرها على رفع المستوى التحصيلي للمتعلمين.
- أن يقوم كل من المشرف التربوي ومدير المدرسة بإثارة الدافعية لدى المعلم نحو التعلم الذاتي بالاطلاع على كل جديد وتقديم الحوافز المادية والمعنوية التي تشجعه على ذلك.
- أن يراعي المشرف التربوي عند تنفيذ آلياته وممارسة أساليبه الإشرافية ومشاركته في البرامج التدريبية التركيز على طرائق التدريس الحديثة باستخدام أسلوب مواقف التدريس أو عمل دروس تطبيقية لها أو إقامة المشاغل التربوية حول إجراءاتها وطرائق تنفيذها.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- أبو أسعد، صلاح عبداللطيف.(2010م).أساليب تدريس الرياضيات. الأردن:دار الشروق للنشر والتوزيع.
- بدر،بثينة محمد(2005م). واقع ممارسات معلمات الرياضيات للأنشطة التعليمية التي تسهم في تنمية التفكير الابداعي لدى طالبات المرحلة المتوسطة والثانوية بمكة المكرمة. مجلة دراسات في المناهج وطرق التدريس،(108).
- بدر،بثينة محمد(2006م). طرائق تدريس الرياضيات في مدارس البنات بمكة المكرمة ومدى مواكبتها للعصر الحديث. مجلة رسالة التربية وعلم النفس،(26).
- بل، فريدريك.(1989م).طرق تدريس الرياضيات.( ترجمة محمد المفتي وممدوح سلمان).ط 2،مصر:الدار العربية للنشر والتوزيع.
- جان، خديجة محمد سعيد.(2008م). مدى استخدام معلمات العلوم مهارات التفكير المنظومي في تدريسهن لمقررات العلوم بمحافظات مكة المكرمة.مجلة الدراسات في التعليم الجامعي.العدد 17.
- الخليفة، حسن جعفر، ومطاوع، ضياء الدين محمد (1436ه) استراتيجيات التدريس الفعال. الدمام: مكتبة المتنبي.
- الزهراني، عبدالرحمن محمد. (1429ه). أسباب عزوف معلمين بمدينة الطائف عن استخدام استراتيجيات الحديثة في تدريس المادة ووضع السبل للعلاج. رسالة ماجستير غير منشورة.جامعة الملك أم القرى : كلية التربية.
- زيتون ، حسن حسين.(1425هـ).التدريس رؤية في طبيعة المفهوم.ط2. مصر: عالم الكتب.
- زيتون، حسن حسين.(2003م).استراتيجيات التدريس رؤية معاصرة لطرق التعليم والتعلم. القاهرة : عالم الكتب .
- عبدالعزيز،أسامة إسماعيل .(1426ه). معوقات تدريس الرياضيات للبنين والبنات في الصف الثاني المتوسط.مجلة جامعة طيبة. العلوم التربوية. العدد1.
- العبدالكريم، راشد حسين .(1432ه).معيقات استخدام طرق التدريس الحديثة من وجهة نظر معلمي المرحلة المتوسطة بمدينة الرياض. .جامعة الملك سعود..المجلد223، ص391-410.
- العبودي، أحمد حمزة.(2012م). مدى استخدام معلمي الرياضيات في المرحلة الابتدائية للحساب الذهني واستراتيجياته المتعددة أثناء التدريس. جامعة الموصل: مجلة العلوم الإنسانية. العدد:25.
- العتيبي، ريم بنت طلال. (2012م). تقويم أداء معلمات الرياضيات في المرحلة المتوسطة بمدينة الرياض في ضوء معايير المجلس القومي لمعلمي الرياضيات NCTM، رسالة ماجستير غير منشورة. قسم المناهج وطرق التدريس، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
- عفانة عزوز، وآخرون (2012م). استراتيجيات تدريس الرياضيات. الاردن : دار الثقافة.
- العليان،فهد عبدالرحمن.(1426هـ). تقويم أداء معلمي الرياضيات في المرحلة الابتدائية العليا بمدينة الرياض في ضوء المهارات التدريسية اللازمة. رسالة ماجستير غير منشورة،قسم التربية،كلية العلوم الاجتماعية،جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،الرياض.