حينما تعود بي خيوط الذاكرة للوراء، وتحديدا في المرحلة المتوسط تقودني لتلك البدايات الصغيرة ، والبذور الرقيقة، والتي طبعت بصمة في حياتي حتى هذه اللحظة . طالما لفتني اهتمام أختي الكبرى بالقراءة، ولازالت ذاكرني تعبق بتفاصيل عالمها الجميل تجمع الكتب وتهم بقراءتها ، تنتقي المواضيع الجذابة، وتختار العناوين الأنيقة والتي كثيرا ماشدت فضولي وجذبت اهتمامي ، فكانت هذه هي البذرة الأولى لحبي للقراءة.
ثمة أشياء كثيرة في الحياة لاندرك قيمتها، ولانعرف ماهيتها مالم تسنح لنا الفرصة لتجربتها ، ورؤية جمالها ، وملامسة أثارها بأنفسنا ؛ ولذلك يأتي دور الإكتشاف ودور القدوة التي تفتح لنا أبواب كنا نجهل وجودها ، وأفاق لم يسبق لنا معرفتها ، وهذا مالمست اثره حينما أصبحت معلمة.
فلما كان لشخصية المعلم أثر كبير على طلابه كان العلم الذي يلقيه بسلوكه ، وأفعاله، يفوق مايلقيه بقوله أو ونصائحه.
النصيحة أداة جوفاء إذا لم تنبع من القلب، ولم ترى من السلوك الذي يمارسه ، والنصيحة بالأفعال رسول صامت، قوي التأثير، بليغ الخطاب ،عميق اللهجة، يختصر عليك مسافات التخطيط وعظيم الجهد. يقول يقول الفيلسوف البرت شفايتزر لاتعتبر القدوة أهم عنصر من عناصر التأثير على الأخرين بل هي العنصر الوحيد.
نعم الأفعال أبلغ معلم ، وصوت العمل أخلص رسالة ، فقبل أن تطلب منهم أن يكونوا أفضل من الأسهل أن تكتفي بأن تكون الأفضل وستصنع بالطاقة الجميلة لديك عدوى إيجابية تظل كالنسمة العذبة تنشر لقاح الجمال والعلم أينما هبت بها الرياح .
وكما يقال لاتحدثني كثيرا عن الدين ولكن دعني أرى الدين في سلوكك ، كذلك لاتحدثني عن النجاح أطلعني على إنجازاتك، لاتحدثني عن الإحترام احترم وجودي ،لاتحدثي عن الطموح ، أرني اين وصل طموحك بك . فالمتعلم لا يكفي أن تعلمه أسس الطيران عليك أن تحلق معه ، لايكفي أن تعلمه كيف يخطوا عليك أن تمسك بيده، لايكفي أن تعلمه رسم خريطته حمسه شاركه خريطتك.
أذكر أني في بداية مشواري كمعلمة كنت مهتمة بمشروع التوعية بأهمية القراءة وترسيخها كعادة ولازلت ؛ رأيت أن المنشورات والمطويات والحديث عن القراءة وحده لايجدي ، حتى لاحظت أنه عند اصطحاب كتبي للصف في حصص الفراغ لتمضية الوقت بقراءتها أن الأمر يشدهن والفضول يجذبهن للسؤال عنها، فماذا خلف عنوانها ، ومالذي يجعل معلمتهن منسجمة لهذة الدرجة ، فتبدأ بيننا الكثير من الحوارات الجميلة والتي تنتهي باستعارة الكتاب.
وأخيرا يقول غاندي «كن أنت التغير الذي تريد أن تراه في العالم» نعم كن كذلك وكن المرآة واعتني بصورتك فيها وحتما سترى انعكاسك على الآخرين.