وأساليب دعوة العصاة محور أساس من محاور مناهج الدعوة، ولقد قيض الله تعالى من عباده العلماء العاملين والدعاة الناصحين على اختلاف الأمصار وتعاقب الأجيال من دعوا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وردوا الشاردين من العصاة والغواة إلى حياض الإيمان، سيدهم وإمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وأصحابه المكْرمون ومن جاء بعدهم من التابعين
والدعوة في استصلاح المنحرفين عن جادة الاستقامة هي: (( استمالة العصاة إلى جانب الاستقامة والرشد وإخراجهم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة ومن أوحال الطغيان والغي والظلم إلى رحاب التقوى والرشد والعدل، ليكونوا صالحين في ذوات أنفسهم مصلحين ـ بعد ذلك ـ لغيرهم)) ويراعى في هذا جانب التقويم والتهذيب والإرشاد نحو الخير والفضيلة .
( والعصاة ) هم المتساهلون في جانب التقوى المجافون لجناب الطاعة المتجانفون للإثم
قال ابن حزم رحمه الله في أهمية إلتزام الدعاة بآداب المواعظ: (( الإتساء بالنبي r في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وعظ بالجفاء والإكفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته rوصار في أكثر الأمر مغريا للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجا وحردا ومغايظة للواعظ الجافي، فيكون في وعظه مسيئا لا محسنا، ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ فذلك أبلغ وأنجح في الموعظة، فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ، فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين، وكان r لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وقد أثنى ـ عليه الصلاة والسلام ـ على الرفق وأمر بالتيسير ونهى عن التنفير، وكان يتخوّل بالموعظة خوف الملل، وقال الله تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لهُمْ وَلوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ [159] } [ آل عمران ].
وأما الغلظة والشدة فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة .