بسم الله والصلاة والسلام على خير خلقه الذين اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى صلوات ربي وسلامه عليه و بعد:
إن مما يزعج القلب الحي ويقلقه، ويحزن الصادق ويؤلمه، ما نرى من انتشار الفتن بين إخواننا المسلمين وتنوعها والتفنن في عرضها وانتشارها وقبولها بل وترويجها والعياذ بالله. فما منَا من أحد إلا والفتن تحوم حوله ودعاة الفتنة يتربصون به ولكن هيهات هيهات أن تدرك قلباً تعلق بالله وكتابه وسار على نهج نبيه ^ فتمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. يقول المصطفى ^ في هذا الحديث العظيم الذي يأمر بالمبادرة والتعجيل بالأعمال الصالحة: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) أخرجه مسلم (118) وهذا الحديث يعرض العلاج لنوعي الفتن؛ فتن الشبهات وفتن الشهوات، يقول العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع فتاويه"25/108):( يبيع دينه بعرض من الدنيا )): وذلك بأن يتكلم بالكفر، أو يعمل به من أجل الدنيا، ويأتيه من يقول له: تسب الله، تسب الرسول، تدع الصلاة ونعطيك كذا وكذا، تستحل الزنا، تستحل الخمر، ونعطيك كذا وكذا، أو يقولوا: لا تكن مع المؤمنين ونعطيك كذا وكذا لتكون مع الكافرين، فيغريه بأن يكون مع الكافرين وفي حزب الكافرين، وفي أنصارهم، حتى يعطيه المال الكثير فيكون ولياً للكافرين وعدواً للمؤمنين، وأنواع الردة كثيرة جداً، وغالباً ما يكون ذلك بسبب الدنيا، حب الدنيا وإيثارها على الآخرة.اهـ
وعلى النقيض من ذلك فمن تشبع ورضي بها وقبلها فقد سلّم نفسه للهلاك وباع نفسه بثمن رخيص وإن هذا والله لهو الخسران المبين فإن من شؤم المعصية أن تجر المعصية أختها ، يقول الرسول ^: ((( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ))متفق عليه.
صلى الله وسلم على من لا ينطق بالهوى، وكأنما هذا الحديث يصف هذا الزمان، فأصبحت الفتن تخرج من كل مكان على أطفالنا ونسائنا وشبابنا من خلال هذه الجوالات والشاشات وغيرها. فالمبادرة المبادرة والعمل العمل وذلك لأن الإيمان في القلب كالشجرة إن اعتنيت بها وسقيتها قويت وأثمرت وإن عرضتها للسموم والآفات وأهملتها ذبلت وماتت كلٌ يسقي بماء عمله. والفتن في هذا الزمان كثيرةٌ متنوعة فمنها المرئي وعلاجها يكون بغض النظر وترك فضوله ومنها ما هو يكون بالخوض باللسان كالجدل والمراء والقول على الله بغير علم ويكون بكف اللسان ودوام الذكر …وهكذا يدفع المرض بعكسه.
وختاما...يجب ان تتذكر ان لا يتعلق قلبك بعملك ولا تركن إلى ما معك من إيمان بل تعلق بالله وتوكل عليه وتضرع إليه بالدعاء و الإنابة وليكن لسان حالك (لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم) كما قال النبي الصالح شعيب عليه السلام : ((وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)) الأعراف (89)