إن العملية التعليمية داخل حجرة الدراسة , هي عملية اتصال بين ركائز أساسية كالمعلم والمتعلم والمادة التعليمية , وعلى المعلم أن يدرك أن عملية الاتصال لا تسير في اتجاه واحد وتنتهي , بل هي عملية حركية تفاعلية بين كافة الأطراف , إذ بات من المهم معرفة أن دور المعلم لا يقتصر على إرسال المعلومات للطلاب , بل يتعدى ذلك إلى التأكد من إيصالها لهم .
والمعلم الجيد هو الذي يقدم الخبرات والمعلومات والمفاهيم لطلابه بأسلوب يدعو إلى التشويق , باختيار أفضل الطرق التدريسية التي تناسبهم في نموهم ومستوى إدراكهم .وأن ما يقدم لهم ينبغي أن يكون متنوعاً غير ثابت حتى لا يشعروا بالروتين والملل والسآمة , ويكونون في جو تفاعلي يحقق أهداف العملية التعليمية .
إن طبيعة المواد العلمية التطبيقية تختلف في طريقة عرضها عن المواد النظرية الفلسفية , لكن الواقع يخالف ذلك , فالناظر في مدارس التعليم العام من خلال تأدية المعلمين لمناهجهم يجد أن الطريقة الإلقائية تضفي بظلالها عليهم وهي المسيطرة والمهيمنة على أغلب المواد , إن لم تكن كل المواد من غير مراعاة للفروق الفردية بين المتعلمين ولا مستوى النضج والنمو , والكل تحت إلقاء المعلم سواء .
فمثال تدريس العلوم الشرعية في جميع المراحل التعليمية , يغلب عليها أسلوب الإلقاء والخطب والقراءة من غير تفعيل للطرق الحديثة , والاستغناء عن طريقة المحاضرة محال ؛ لأن طبيعة المواد ومحتواها يفرض ذلك , غير أن طريقة تنفيذها خاطئة وتقدم بشكل بدائي . وإذا نظرت لمن يتولى تدريس القرآن الكريم في الصفوف الأولية مثلاً فهم من غير المختصين , وربما لا تتوفر لديهم المهارات الخاصة بتدريس القرآن وضبط التلاوة ومعرفة أحكام التجويد , الأمر الذي أدى إلى عدم الاهتمام بطريقة التدريس كما يؤكد ذلك ( الشمري , 1426هـ) والذي أدى بدوره إلى ضعف الطلاب المتخرجين من هذه الصفوف .
لقد أصبح تدريس العلوم الشرعية محدوداً بصورة توحي للطلاب بأن حصصها لا تحتاج إلى عقل نشط ولا استعداد ذهني , حتى شاع بين أفراد المجتمع فضلاً عن الطلاب في المدارس أن القدرات والاستعدادات العقلية مهمة فقط عند تدريس حصص المواد العلمية , وتدريس المواد الإسلامية لا تتطلب – حسب فهمهم – مهارات عقلية عالية ولا استعدادات ذهنية صافية , ولا أدل من ذلك في المدارس من وضع حصص مواد التربية الإسلامية في آخر جدول اليوم الدراسي غالباً , ناهيك عن إسناد مهمة تدريس هذه المواد إلى غير المتخصصين .
وعند النظر لمادة القرآن الكريم بشكل خاص , فإنها تعد محطة استراحة وتكميل نصاب لجداول المعلمين في المرحلة الابتدائية من غير مراعاة لتخصص المعلم أو إتقانه للتلاوة من عدمها , وهذا يؤدي بدوره إلى عدم التجديد في طريقة التدريس ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه , وليس لديه القدرة على التلاوة الصحيحة فتكون هذه الحصص أشبه بالحصص التكميلية والمجتهد من يحضر أداة تسجيل يستمع الطلاب من خلالها أو يجعلهم يكررون خلف الطالب المتميز في حد نظره . على الرغم من وجود المحفزات العالية والجوائز المحلية والدولية السنوية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته , التي تحمل أسماء ملوك وأمراء وقادة ومصلحين ورجال أعمال , إضافة للأجر الكبير والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة , إلا أن المخرج ليس بمستوى الطموح وحال كثير من الطلاب لا يسر الآباء فضلاً عن المربين والمعلمين .
فقد أشارت دراسة ( العاصم , 1421هـ ) ودراسة ( حشروف , 1426 هـ) إلى أن طرائق تدريس العلوم الشرعية – وخاصة القرآن الكريم – يغلب عليها نواحي القصور والتقليدية من حيث الأداء وقلة استخدام الوسائل التقنية الحديثة . وتؤكد دراسة ( العاصم , 1421هـ ) على أن نسبة كبيرة من معلمي القرآن الكريم اقتصرت على استخدام طريقة واحدة للتدريس , وليس لديها استعداد لبذل جهد كبير أثناء تدريس القرآن الكريم , مما أدى إلى ضعف مستوياتهم وعدم استخدامهم للطرق والإستراتيجيات الحديثة التي تحقق أهداف التعلم والتعليم .
وعليه فتوصي دراسة ( الأحمدي , 1434هـ ) على تقليص الاعتماد على الأسلوب التقليدي والتركيز على إستراتيجيات التدريس التي تعتمد على المشاركة والتفاعل الإيجابي من قبل الطلاب . وهو أيضاً ما توصي به دراسة ( الجهيمي , 1428هـ ) للمعلمين بصفة عامة , ومعلمي العلوم الشرعية بصفة خاصة بضرورة الاهتمام بطرق التدريس الحديثة , كإستراتيجية خرائط المفاهيم في إعداد الدروس .
وهناك دراسات توصي باستخدام طرق حديثة أثبتت نتائجها الفعالة كدراسة ( الأكلبي , 1429هـ ) التي توصي معلمي التربية الإسلامية باستخدام طريقة التعلم التعاوني في المواقف التعليمية لما لها من فعالية واضحة في تنمية التحصيل الدراسي ومهارات التفكير الناقد لدى الطلاب , وأن يركز معلمي التربية الإسلامية على استخدام طرق التدريس التي تساعد على كشف ما لدى الطلاب من طاقات ومواهب وإمكانات عقلية ومهارية .
-----------
المراجع :
- الأحمدي , حياة بنت حامد ( 1434هـ ) : واقع استخدام استراتيجيات التعلم المتمركزة حول الطالبة لدى معلمات التربية الأسرية بالمرحلة المتوسطة . رسالة ماجستير غير منشورة , كلية التربية , جامعة طيبة , المدينة المنورة .
- الأكلبي , مفلح بن دخيل ( 1429هـ ) : فعالية إستراتيجية التعلم التعاوني في تدريس مادة الحديث والثقافة الإسلامية في التحصيل الدراسي ومهارات التفكير الناقد لدى طلاب الصف الأول الثانوي . رسالة دكتوراه غير منشورة , كلية التربية , جامعة أم القرى , مكة المكرمة .
- الجهيمي , أحمد بن عبدالرحمن ( 1428هـ ) : فاعلية استخدام إستراتيجية خرائط المفاهيم في تدريس مقرر الفقه وأثرها على التحصيل والاتجاه لدى طلاب الصف الأول الثانوي . رسالة دكتوراه غير منشورة , كلية العلوم الاجتماعية , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , الرياض .
- حشروف , عبدالرحمن يحي (1426هـ) : الأخطاء الشائعة في تلاوة القرآن الكريم لدى تلاميذ الصفوف الثلاثة العليا الابتدائية في مدارس تحفيظ القرآن الكريم ومدارس التعليم العام بالمدينة المنورة .رسالة ماجستير غير منشورة , كلية التربية , جامعة أم القرى , مكة المكرمة .
- الشمري , محمد مضحي (1426هـ) : مشكلات تدريس القرآن الكريم في الصفوف الأولية . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية التربية , جامعة الملك سعود , الرياض .
- العاصم , سعود بن عبدالعزيز (1421هـ) : تقويم طرق تدريس القرآن الكريم في مدارس تحفيظ القرآن الكريم التابعة لوزارة المعارف . ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه , مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف , المدينة المنورة .
1 ping