ليس أحد قبل بلوغ الستين من العمر إلا وهو مرتهن بالقيود الثلاثة أو إحداها، أولها قيد "العنق" في الزوجة والأبناء، "والقدمين" في الأقارب، "واليدين" في الوظيفة والعمل، والموفَّق من خَفَّ حِمله وقلَّت مسؤولياته، ومن كان رهينًا لها فلا يلومَنَّ إلا نفسه، وله نقول" يداك أوكتا وفوك نفخ".
مسؤولية الزوجة والأبناء عظيمة، إذ المسؤول الأول عنها هو رَبُّ الأسرة لا غيره، فليس أحد يمكنه القيام بتلك المسؤولية سواه، وتمتد معه حتى لقاء ربه، فمنذ أن ارتبط بتلك الزوجة تبدأ معاناة التفكير في القادم حتى إذا أتى الأبناء انحرفت بوصلة التفكير تجاههم، فنسي الطرفان نفسيهما ليتفرغا للأبناء الذين يستهلكون الفترة الذهبية من حياة الأبوين وهي فترة الشباب، يسهرا لينام الأطفال، ويجوعا ليشبع الصغار، ويقضيان السنين تلو السنين وهما ينتظران قطف ثمرة جهدهما، فيالها من مكابدة لا يجد فيها الآباء من لحظات الصفاء والتفرغ لنفسيهما سوى أيام قلائل لا تذكر؛ فلا غرو إذًا عندما قرن الله طاعته بطاعتهما "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً".
أما الأقارب المتمثل في الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، فالمسؤولية أقل لكونها مشتركة بين الجميع، وهي" قيد القدمين" إذ قد يأتيك المنادي في أي لحظة للقيام بالواجب في شتى مناحي الحياة، إما للذهاب معه للتسوق وقضاء الحاجات، وإما للمساعدة في حل المشكلات، أو في السير بجانبه لمراجعة المصحات، أو الوقوف معه في المصائب والأزمات.
وأما من حالفه الحظ وقد أدرك والديه أو أحدهما فهنيئًا له الصحبة بالبر والإحسان لهما في حياتهما وحتى بعد الممات بزيارة أقاربهما، مثل هذا قد أحسن الصحبة بالمعروف ! وتبقى صلة الرحم وتفقد الأقارب بين الفينة والأخرى التي هي من أوجب الواجبات.
أما الوظيفة والعمل فهي ثالثة الأثافي" قيد اليدين" بها يؤدي العمل الوظيفي على الوجه الأكمل فهي مسؤولية وأمانه يتقاضى عليها أجرًا ليتمكن من القيام بالحقوق السابقة؛ فتجده كالعصفور في القفص لا يملك حريته المطلقة ما لم يتخلص من هذا القيد.
والعجب ممن بلغ من العمر الستين أو زاد وهو لا يزال يجاهد في جمع الحطام؛ فليسارع مبكرًا من كان له دخلٌ يكفيه في الانعتاق من أسر الوظيفة! حتى لا يشغله شاغل عن نفسه ليتفرغ لطاعة ربه ومرضاته فيما بقي من عمره تحقيقًا لقول الله تعالى (فإذا فرغت فانصب) أي بالعمل بالطاعات.
ختامًا : لم أجد أحدًا ممن يسمى "مت قاعد" إلا وهو يشعر بالسعادة والرضا، ويتمنى لو أنه ذاق طعم الحرية منذ زمن بعيد وهو في عنفوان الشباب وصحة البدن، فتجده يتفرغ لزيارة الأقارب أو السفر والارتحال أو ممارسة ميوله واهتماماته التي حرم منها وهو على رأس العمل فهذا قد تخلص من "قيد اليدين" ليمتلك بعدها حريته المطلقة....والله الموفق للصواب.
معيض الربيعي
القيود الثلاثة!!
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/215316/