فاطمة صالح باهميم _ صحيفة التعليم الإلكترونية
لا تشعلي نار الوحدة في نفسك
قالت وهي تحدثني من حديث الوهم والأماني والأمل اليائس :
أحب الحياة ولكن الحياة تأتيني على استحياء، تتقدم خطوة وتتراجع خطوات ، وكأني اُعاقب على قرار صفّق واعترض عليه الكثير ، ولم أر فيه إلا النجاة من بحيرة صغيرة لبحر عظيم ، ومن جبل إلى سقوط في الوادي لا أسمع سوى صوت ألم السقوط .
وربما من جهل غيري أن أقام احتفال الطلاق ، فرحة نصر مؤقتة ، وهزيمة نفس دائمة .
قلت : القرار أدواته العقل والعلم وربما حداثة العمر وضآلة العلم سببان لقرار الانفصال وهدم الحياة ؟
قالت : لا ينقصني العلم والعقل ولكن لم يكن نظري يتجاوز قدمي ، ولا أرَ سوى قصر رملي هوى على رأسي .
لدي المال الكثير ؛ ولكن المال يساعدنا على الحياة وليس لشراء الحب والإنسان .
وبيتي كبير ومنظم وجميل جدا ، ولكن لا ينطق ولا يسمع ، هو أكوام من الحجارة التي ترد عني عيون الناس ، ولكن لا تحس بصعقات قلبي ونفسي .
قلت : أنادمة على الانفصال عن زوجك ؟
قالت : لن ينفعني الندم ولن يُرجع ما ذهب ،ولكن حياة المرأة قبل و بعد زواج أبنائها ، وحدة باردة مميتة ولن تجد من يختم معها الحياة ، ويهون انشغال الأبناءعن الزيارة والسؤال ، وهم حتى في سؤالهم يبقى السؤال أداء إلزامي أو مشاعر متوارثة ، وينتهي زمن السؤال والزيارة والمكالمة ؛ ليعود كل واحد منهم إلى دفء شريكه ، و يترك لي صقيع الوحدة ووحشة الغربة .
هذا بعض من حديث طويل لكثير من النساء ، وصلت لعمر السلام ، والسلام بحاجة للأمان حتى يكون سلاما .
وعلى طريقهن كثير من الزوجات الشابات ، اللاتي يدافعن عن كذبة الحرية والكرامة والاستقلالية وتحقيق الذات .
الاستثمار في رفيق الحياة قد يكون أبقى لنهايات الحياة ، وقد يكون في الأبناء الخير ولكن الخير لا يناله إلا شركاؤهم في المستقبل ،وتبقين مع من بدأت مشوار الأحلام معه وشاركته كدر الحياة ، هو الزوج ولا غيره سيشاركك همساتك وضحكاتك ويخفف أوجاعك ، وتصبح للجدران ملامح الإنسان ، إنسان واحد فقط هو رفيق وحبيب الحياة ، هو الزوج الرجل الذي يحميك من طمع مستمر بامرأة تقودها أفكارها وأماني خادعة لحياة حالمة ، الزوج الذي سيمنع عنك قتالا شرسا مع الوحدة ، الوحدة التي لم تكن إلا بقرار انفصالك عنه بوهم الحرية التي سلبها أو طموحاتك أو صديقة جاهلة جمّلت لك الخلع أو الطلاق أو أفكار شيطانية تهمس في أذنيك أنك تتألمين كلما رأيتيه.
أوهام متراكمة ومفاهيم مغلوطة وجحود ونكران جعل بعض النساء تظن أنها عظيمة ؛ لأنها صبرت عليه من أجل العيال ، ومن هم العيال ؟ أليسوا نتاج رحمة ومودة فكانوا هم وكان قبلهم هو، ويكفي الزوج بقاءا في حياتها أن تجد أبناءها يحملون اسمه للممات .
زوجي خائن ، تزوج علي ، سرق مالي ، يضربني ، زوجي ........ وقصص كثيرة وأسباب واهية تتذرع بها كل امرأة فقط لتنفصل عن زوجها ، زوجك لم يفعل ولا واحدة مما ذكرت إلا بتشجيع وموافقة منك .
أذكر حديثا لامرأة تذكر أفات ونقائص زوجها وتعيب عليه أمورا كثيرة ؛ فأيقنت أن العيب فيها لافيه وانطقها الله بشتم نفسها لا شتمه ، فهي أدّعت الكمال والكمال ليس لأحد من البشر ومن يدعيه مجنون أو سفيه .
مشاكل الزواج عديدة ومتشعبة و تجاوزات وأخطاء بعض الأزواج كثيرة ولا يمكن نكرانها ولكن لاتؤدي إلى جزِّ الحياة وقطع استمرارها .
هذا ليس دفاعا عن الأزواج بل هو واقع مرير ،لابدّ أن نُذكِّر أنفسنا به ، فكيف سيكون حالك بعد الانفصال ؟ لنقترب من الصورة ونراها مكبَّرة دون تصفية ، الزوج سيتزوج في أي عمر وفي أي وقت ويبدأ مشوارا جديدا وأملا جديدا ، وأنت ستبقين مربية لأطفالك ، الأبناء الذين نربيهم لأنفسهم ولحياتهم ولمستقبلهم ولأناس آخرين سيبدؤون معهم وبهم بعيدا عنك ، وماذا بعد ؟ كيف سيكون حالك وأنت امرأة بلغت من النضج الذي يمنعها من الارتباط بمن سيستغل مالها لو كان لديها مال ؟ أو الارتباط برجل متزوج ؟ وكيف سيكون حالك وأنت لا تسمعين صوتك إلا برغبة من الآخرين ؟ وكيف سيكون الحال وأنت تجمعين الذكريات صورا محزنة لك مبكية ، وتتمنين لو أنها لم تنفلت من يديك .
وكيف سيكون حالك وأنت تجلسين على عتبات الانتظار ، انتظار زوج أو حبيب أو رفيق يمزق صمت وحدتك ويعوضك انشغال أبنائك ويشاركك ساعات النهار ، وقهوة الصباح ، وطعام لاتكون له لذة إلا معه وبه ومتعته في كل لقمة يتناولها ؟ وكيف سيكون حالك وأنت تتمنين زوجا حتى لو كان بعيدا عنك تكتفين بأنه يشعر بك ويفكر فيك وبعد فترة وفترة يهاتفك ؟
الزوج حصن منيع وجدار حماية ، حتى لا تكونين فريسة سهلة ، تستغل النفوس المريضة مشاعرك الحائرة ،وتنتهك كرامتك .
الزوج يقيك كلفة البحث عن أمل جديد وحلم مريض ؛ فتعودين بألم وحزن وحقيقة أن ليس هناك من سينظر إليك كما تتمنين .
8 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓