ضَعفُ المتعلمين اللُّغويُّ
عادة ما يقع متعلمونا في مطبّات أخطاء لغوية كثيرة ، مردُّها يعود – في غالب الأحيان – إلى صعوبة فهمهم لقواعد اللّغة النحوية ، و الصرفية ، و البلاغية ، فلا تجد – و أنت تهِم بالتصحيح ـ تدويناً لمتعلم(ة) خاليًّا من الأخطاء اللغوية ، و الرّكاكة التعبيرية ، و انْحطاط المعنى ، و سمَاجة الأسلوب . خاصة أن امتلاكَ ناصية اللغة ضرورةٌ آكِدَةٌ لفهم مختلف ظواهر الحياة ، و نواميس الكون ، و أسرار العلم و مكنوناته .
صحيح أن الساهرين على إعداد البرامج و التوجيهات التربوية ركزوا على إنماء ما سموه ( الكفاية التواصلية ) لدى المتعلم ، من خلال إعطائه نصوصاً ذاتَ بعد وظيفي ، لكن الحوبةَ العُظمى هو عدم محايثة المتعلمين لها ، و جفاؤهم في التعامل معها ، على الأقل النصوص القرائيةُ المقررة لهم في الكتب المدرسية ، كما وصى هؤلاء القائمون على الشأن التربوي على إعطاء دروس لغوية تركيبية و صرفية و بلاغية تنحو نحواً معياريًّا لإكساب المتعلم رصيداً لغويا يمكنه من توظيفه في مهاراته اللغوية ، شفهيةً كانت أم كتابيةً ، لكنَّ النتيجةَ التي لاحظها المدرسون ، خصوصا مدرسِي اللُّغات ـ اللغةَ العربيةَ أنموذجاً ـ هو ضَعفُ التلاميذ المبرحُ على توظيف مكتسباتهم اللغوية في شتى المواقف التواصلية التي يكونون فيها ، مما يؤكد يقينا أن التخطيط اللغوي ، أو قل ديداكتيكَ تعليم اللغة ، كما هو مقرر في كتبنا المدرسية ، لا يساير البتة الحالةَ الضعيفة التي يعانيها متعلمونا .
يثبت إذاً أننا أمام ضرورة عاجلة لا آجلة لكشف أسباب هذا الضَّعف اللغوي لدى متعلمينا ، ثم تقديمُ حلول آنية و موضوعية تستفيد من مستخلصات علم اللغة الحديث ، و تنفتحُ على آراء منظري علوم التربية ، خاصة في مجال التعليم و التعلم لتجاوز هذه المعضلة الخطيرة نتائجُها في الأمد القريب ، خاصة أن اللغة أمر ليس بالهين ، و يكفي أن يصفها عالم لغوي كرمضان عبد التواب أنها أخطُر ظاهرة اجتماعية يمكن أن تقلب موازين أيَّ أمة بكلماتها العذبة الرقراقة الفخمة ، فهي الأداة التي لا يستغني عنها أي إنسان مهما علا شأنُه و شأوُه ، بها دعا الأنبياء إلى الله ، و ساس بها السياسيون البلادَ و العبادَ ، و كفاها فخرا أنها أول شيء عُلِّمَ به أبو البشر آدمُ عليه السلام .
يمكن اعتبار أن الطريقة التي تقدم بها الدروس اللغوية في حجراتنا سببا مباشرا في تزكية هذا الضَّعف اللغوي ، خاصة أن أغلب طرائق تدريس اللغة ما زالت تقليديةً و كْلاَسِيَّةً ، تعتمد على التَّكرار الآلي للكلمات ، و الحفظِ الذي لا يعي المنقولَ من الكلام ، ثم الإقصاءِ الصارخ للعقل ، خاصة في العلاقة القائمة بين الأستاذ و المتعلم ، كون الأستاذ مصدرَ المعرفة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه .
إن انفتاح الساهرين على البرامج و التوجيهات التربوية ، و معهم مدرسو اللغات على معطيات علم اللغة الحديث حري بإعطاء نظرة جديدة في تعليم اللغة و تعلمها ، خاصة أن هذا العلم قدم ، في غير ما مرة ، نظرياتٍ حديثة باتت تُعتمد في كبريات معاهد تعليم اللغة في أمريكا و أروبا و دول العالم المتقدمة ، و من بين أهم ما قدمه علم اللغة الحديث ، اللسانياتِ التطبيقيةَ ، هذا العلم هدفه الأساسي الوعي بمشكلات اللغة و تقديمُ حلول موضوعية و ناجعة لتجاوزها ، و ذلك من خلال تجاوز النظرة البنيوية للغة التي لا تبرح حدودَ الجملة ، و لا تجاوزها البتة ، و هذا هو المعتمد في مؤسساتنا ، أو على الأقل من لدن بعض معلمي اللغات .
اللسانيات التطبيقية تركز على الجانب النفسي للمتعلم قبل تعلم اللغة ، ثم على الجانب الاجتماعي الذي يرتع فيه ، قبل تقديم مخطط لغوي رصين يتعلم في ضوئه ، إنها تمنح تعلما ذاتيا للغة ، كون الأبحاث الحديثة ، خاصة التي اتت بها المدرسة التوليدية التحويلية ، أثبتت أن اللغة فطرية في الإنسان ، أي مركوزة فيه ، أنظر إلى قولنا ضرب زيد عَمْرًا ، المتعلم قد يقول لك زيد ضرب عمْرا ، و زيد ضارب عمْرا ، و عمْر مضروب من زيد ... و هكذا دواليك . أي إن المتعلم قادر على إنتاج ذاتي للغة دون تعلم سابق كما رأينا ، أي له قدرة على الإبداع في استعمال اللغة على حد تعبير نعوم تشومسكي
ينبغي الوعي بضرورة التركيز على أهمية إعطاء بعد للجانب الوظيفي في اللغة ، من خلال التركيز على النحو الوظيفي الذي لا يهتم بحفظ القواعد النحوية و الإملائية و الصرفية ... بقدر ما يهتم بلماذا هذه جاءت منصوبةً ، و لماذا جاءت مرفوعة ، أو مجرورة .... انظر إلى قولنا أعرب كتب زيد الدرس ، و بين قولنا لماذا جاءت زيد مرفوعة ، و لماذا الدرس منصوبةً ، في الأولى لا أراوح حدود الجملة ، أي اجتر إرث النحاة ، عجره و بجره ، أي أرهن التعلم بالجانب البنيوي المتجاوز ، لكن في التعلم الثاني أمنح المتعلم الفرصة للتفكير و المقارنة و الاستنتاج ، فبَوْنٌ شاسع ان تحفظ عبارات فاعل مفعول حال نعت مفعول مطلق ... و بين أتت الكلمة منصوبة لأنها وضحت لنا هيئة شخص ما ، لذا فهي حال .
عموما ، هذه نظرة موجزة تحاول رصدَ بعض مظاهر وهن تعليم اللغات ، و تطالب بضرورة إجرائية المقاربة الحديثة في تعليم اللغة ، و تجاوز المقاربات البالية المعتمدة على اصطلاحات ما زالت مثارَ أخذ و رد سواء بين النحاة الأقدمين ، أو حتى بين المحدثين منهم أشرف سليم ، أستاذ مادة اللغة العربية ، باحث في علم اللغة العربية ، و اللسانيات الحديثة .
- - - - - - - - - - - - - - - - -
تم إضافة المرفق التالي :
Photo-0003.jpg