( مظلومون يا وطن ! )
استبشر الطامحون عندما تضاعف عدد الجامعات السعودية أربع مرات ، وفتح المسؤولون أبواب الدراسات العليا الذي انتظم في سلكه مئات الشباب والشابات، حتى رأينا إقبالا وتنافسا من كثير من حملة البكالوريوس يتنافسون على برامج الماجستير بمختلف أنواعها، وزاد من حماستهم مكرمة خادم الحرمين الشريفين ـ أبقاه الله ـ في دفع رسوم الدراسات العليا المسائية التي تتقاضاها الجامعات .
وإذا نظرنا إلى الخريجين فجلّهم ينتمون لوزارة التربية والتعليم ، الوزارة التي تشكّت من تسرب المعلمين إلى الجامعات بعد حصول بعض منسوبيها على درجة علمية تؤهله للانضمام إلى التعليم العالي ، وكأنها قد قضت على قوائم انتظار التعيين لآلاف الشباب والشابات المتكاثرين سنويا، علاوة على أنها السبب وراء أول شرط من شروط قبول المنافسة على الوظائف الأكاديمية ، وكأن هذا المعلم الطموح سيخرج إلى دولة أخرى أو أن الوزارة أنفقت على تدريبه ملايين الدولارات لتلزمه بالبقاء وفق لاشتراطاتها دون إعطائه أية ميزة جاذبة ، وقد تناست الوزارتان أن التعليم هو القاسم المشترك بينهما ، وأن طلاب الجامعات كلهم نتاج هذا المعلم في مراحل الغرس الأولى ، وأن المعلم ـ برأسه ـ أيضا نتاج جامعة من الجامعات العاقة .
الناظر إلى وجوه الخريجين يقرأ الانكسار العميق في أرواحهم بعد أن ذهب جهدهم أدراج الرياح ، وتبخرت أحلامهم ، واصطدموا بصخرة الواقع الأليم الذي تمارسه الجامعات السعودية ضد الخريجين من حملة درجة الماجستير ، فأول ما يطالعك في إعلانات الوظائف الجامعية على درجة محاضر على ندرتها المفتعلة شرط من العيار ( القاتل ) " ألا يكون المتقدم موظفا حكوميا " ، وهذا الشرط لا ينطبق إلا على السعوديين ، وكأن جامعاتنا قد طبقت المواطنة 100 % ، متغافلين عن أن معظم المتعاقدين ، لم يأتوا من الفضاء ، بل جاء أغلبهم من وظائف حكومية أيضا في بلدانهم ، لكن حرص بلدانهم على بلوغ أبنائهم مطامحهم ، وحرصهم أيضا على عوائد التحويلات التي ستأتي من السعودية ، سمح لهم بالتعاقد مع جامعاتنا الذكية ، وما عليك إلا الوقوف صباحا أمام بوابة إحدى جامعاتنا العتيقة أو الناشئة ؛ لتشاهد ( الكرفتات ) بمختلف ألوانها وأعمارها .
وفي عتو السؤال ، وغبِّ الإجابة ، تتضاعف الأسئلة الشائكة حول هذا الشأن المؤسف ، ولا تكف عن قرع أذهان الخريجين المحطمين :
ـ هل جامعاتنا لا تؤهلنا الـتأهيل الصحيح والمناسب ؛ لتثق في قدراتنا لتدريس مواد : 101 و 102 ؟
ـ هل جامعاتنا تفتح أبواب الدراسات العليا للسعوديين ( صباحا ومساء ) من أجل العوائد التي تجنيها من المكرمة الملكية ، ومن جيوب الطامحين ؟
ـ هل جامعاتنا لا تهتم للأموال التي تحول عن طريق المتعاقدين ؟
ـ هل تعلم الوزارتان أنهما تسيئان للوطن ، وهما تنبذان أبناءه وتغتالان بريق المواطنة في أرواحهم ؟
ـ وهل غفل القائمون على التعليم بوزارتيه عن التقلبات السياسية غير المأمونة ، والتوترات المفاجئة ؟
ـ وهل أعطت وزارة التربية والتعليم الامتيازات المناسبة ( ماديا / ومعنويا ) لحملة الماجستير والدكتوراه من منسوبيها ؟
ـ وهل البلاد خالية من خريجي البكالوريوس لشغل الوظائف التعليمية أثناء انتقال عدد من المعلمين إلى التعليم الأكاديمي ؟
بعد هذه التساؤلات المُرة ، التي يتمنى كل خريج أن يجد لها إجابة تشفي الجرح وتلأم الصدع العميق لكل طامح مكلوم ، فإني على ثقة بأن جميع الخريجين لا يعارضون كل معايير المفاضلة التي تراها الجامعات لشغل الأفضل منهم للوظائف الأكاديمية ، وليس لديهم حرج ولا عنتٌ في أن تتعاقد وزارة التعليم العالي مع الكفاءات والقدرات العالمية بمختلف أنواعها ، لكن أن يكون التعاقد على هذا المنوال الذي يحرم كفاءات الوطن من تحقيق طموحاتهم وآمالهم في حدود القدرات التي زودتهم بها جامعاتهم فهو ظلمٌ صراحٌ يجب إيقافه ، ومسرحية هزلية لن يجني منها الوطن إلا تكاثر الذوات المحبطة ، فإن كانت الجامعات لا تثق في قدرات خريجيها فهذا عيب أساسي وتهمة من وزارة التعليم العالي لنفسها ، وتأكيد على أن المتعاقدين معها لا يملكون الكفاءة لتخريج كفاءات موثوق بها ، وأن هذه الكفاءات المنبوذة ستتوجه إلى التعليم العام ، ويستمر الخلل في دوامته المفرغة .
آمل أن تلقى هذه القضية اهتماما وحلا عاجلا عند المسؤولين ، وأبناؤنا وبناتنا ينظرون إلى الوطن ولسان حالهم :" نحن صنائعك ياوطن " !
أحمد عيسى الهلالي ـ المسؤول الإداري بأدبي الطائف
- - - - - - - - - - - - - - - - -
تم إضافة المرفق التالي :
أحمد عيسى الهلالي.jpg