لم أستطع أن استوعب اعتراض وزارة التعليم العالي على لائحة التعليم الإلزامي في المملكة، وأثار دهشتي وكيل وزارة التعليم العالي حين ذهب إلى أن العقوبات التي أشارت اللائحة إلى تطبيقها على أولياء أمور الطلبة الذين يحرمون أبناءهم من الدراسة تتعارض مع مبدأ الحرية الشخصية.
لم أتبين الأساس الذي بنى التعليم العالي عليه اعتراضه ما دام المقصود بالتعليم الإلزامي التعليم للطلاب ما بين سن السادسة حتى سن الخامسة عشرة، أي التعليم الذي لا يتجاوز المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وهو من شؤون التربية والتعليم ولا دخل للجامعات به، إلا إذا كان التعليم العالي رأى من خلال اعتراضه ذاك أن يخفف العبء عن الجامعات بتقليل عدد الذين تتم تهيئتهم للالتحاق بها بتقليل عدد من يتم إلزامهم بتعليم أبنائهم تعليما أوليا.
وإذا كانت وزارة التعليم العالي قد أبدت اعتراضها على اللائحة، باعتبارها واحدة من الجهات الحكومية التي وزعت عليها وزارة التربية والتعليم مشروع لائحة التعليم الإلزامي، فقد كان الأولى بالتعليم العالي أن يقف إلى جانب وزارة التربية والتعليم، بل ويطالب بتغليظ العقوبة بحق كل ولي أمر يحول بين أبنائه وتلقيهم التعليم، لا أن تعترض على العقوبة وتعتبر حرمان الأبناء من التعليم حرية شخصية مكفولة لأولياء أمورهم.
وحين تعتبر وزارة التعليم العالي منع أولياء أمور الطلبة أبناءهم من الدراسة وتفريطهم في إلحاقهم بالمدارس حرية شخصية لا ينبغي أن يعاقب من يقوم بها، فإن الوزارة تؤسس عندئذ لضرب خطير من العنف تجاه الأطفال، وتمنح الآباء حق تدمير مستقبلهم، وتفتح ثغرة خطيرة في جدار الوطن تهدد باستمرار الأمية، وتتجاوز ذلك إلى ظهور جيل ضائع لم يستفد من سنوات التعليم وبقي عرضة خلال السنوات الأولى من عمره لكل ما يمكن أن يشكل خطرا على شخصيته في مستوياتها الاجتماعية والأخلاقية والنفسية.
كارثة حقيقية يمثلها اعتراض وزارة التعليم العالي على لائحة التعليم الإلزامي، وذلك حين نرى كيف أن الوزارة التي نتوخى منها أن تبلغ بالتعليم غاياته ترتد على أعقابها، فتعترض على لائحة تطالب بعقوبة من يحول بين الأطفال وتعليمهم تعليما أوليا.
* سعيد السريحي
كاتب بصحيفة عكاظ