ان تبدأ في حوار مع إنسان يفوقك مقدرة علمية وثقافية بشأن حدث استراتيجي مهم وأنت إنسان عادي الذكاء فهو أمر عقيم جداً فتبدو مثل الذي لا يعرف السباحة فتجده يرفس بقدميه الماء ليغرق نفسه أكثر.
كذا هو الحال عندما تبدأ في حوار مع إنسان جاهل في بعض الامور الشعرية والأدبية والدينية مثلا.
في حين تتمتع أنت الفقية الخبير بشؤون الدين ومدارات الأدب وبحور الشعر بذلك فيكون الحوار في كلتا الحالتين سقيماً .
ولا جدوى من ذلك ولا يقود هذا الحوار إلى نتيجة ترضي الطرفين حتى لو أرتفع صوت الحوار وأشتعلت اجواؤه واشتد سعيره والتي في غالب الأحيان ما تكون فوضى يحدثها الطرف المهزوم الذي لا يعرف طريقاً سوى الانصياع للعزة بالاثم دون اعتراف بقيمة اي حوار علمي ثقافي انساني وهذا ما يحدث في الغالب في أي حوار أو مجادلة او حديث بين شخصين داخل مجتمعنا.
لكن سيتغير الوضع تماما لو انك بادرت الى اي مواطن فقير الحال بالسؤال عن أحواله المادية وحياته الشخصية لتعلم ان حياته بائسة كل البئس
وهو لا يجد معاشه في أغلب الايام فإنك ومهما كانت درجتك العلمية قد ارتفعت وأرتقت نجوم عينيك الثقافية ستتلكأ بردك وتتفحم في جوابك
ويخذلك سليط لسانك لتكتشف بعد برهة ليست بالكثيرة ان الصمت قد تسيد الموقـــف وأصبح هو المنتصر في هذا النقاش القصير بــلا أدنى شك.
الصمت ليس نابعاً من قلة المعلومات لديك أو الجهل بشيء ما أو عدم المقدرة على الأخذ والرد والمناورة الكلامية والمناقشة لكنها نابعة عن عمق الإحساس الانساني الذي بداخلك بحجم معاناة هذا الإنسان الفقير واندماج المشاعر مع آهاته وهمومه التي قد تغلغلت في أعماق قلبك الابيض الذي ينبض بكل ماهو طيب والذي يتألم عندما يشاهد ويسمع مما يتعرض له ابناء الوطن ومجتمعه من الذل والهوان وبؤس المعيشة القاسية وشظف الحياة التي تكللت بالمرارة.
فهنا المشاعر الانسانية هي فائض ما تجود به علينا الاخلاق النبيلة والنقية من الشوائب الرديئة التي نمتلكها إلا أن بعض قساة القلوب الذين لا يدركون التلاحم بأسم الاخوة والترابط المجتمعي.
فقراء السعودية كثيرون جداً والاغنياء فيها قليلون لا يتساوون أبداً في أعدادهم ولا يتشابهون في أشكالهم لكنهم يشكلون ظاهرة مميزة جداً لدرجة ان الوطن قد أنقسم الى قسمين دون طبقة ثالثة أو رابعة او خامسة.
وكل من هؤلاء يعيش في منفاه الغني في عرشه الغني والفقير في صومعته الفقيرة ليس هناك وسيلة اتصال بينهما رغم ان اختلافهما يشكل قطبان مغناطيسيان يتنافران كل منهما بإتجاه عكس الآخر لا تجاذب بينهما أبداً إلا ما ندر لدى بعض الذين يعملون بالإحسان إلى إخوانهم الذين لم ينسوا اخوانهم بشيء حتى وإن جار الزمان عليهم ومع ان الطبقة السياسية المليارديرية لدينا كبرت وتضخمت وتموجت عالياً أصبحوا كطبقة مزدهرة إزدهاراً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً إلا انها ما زالت تعمل حتى هذه اللحظه على توسيع الفجوة السحيقة بينها وبين ابناء الوطن عامة.
بلا تجاذب او إندماج فيما بينهم من باب الإنسانية وكأن الفقير المسكين قد أصابه جرب وتعرض جلده المهتري للحك المستمر في بلاد ما قد رأفت به أبداً مع ان حكه لجلده لا يضاهيه أي شعور آخر بالألم والآمال المخيبة وسذاجة الظروف لأنه لا ينفع صاحبه ولا يحيله لقمة عيش..
هنا يكون الحل المناسب في عدم سؤالك اي فقير عن حالته بل والمبادرة ايضاً في الإبتعاد عن الطريق الذي يسير فيه ما دمت لا تملك إلا قلبك الأبيض الطيب والذي لن يستطيع أن يعين الفقير على حاجته كدخل شهري ثابت احوج إليه من رأفة وحنان قلوبنا التي لا تكفي فقراءنا ولا تكفل لهم حياة كريمة أبدا.
ممدوح العضيباوي

إقرأ المزيد
رأفة قلوبنا لا تكفي!!
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/353/