تستند كثير من دول العالم لنتائج طلابها في الاختبارات الدولية كمقياس لجودة تعليمها, ومؤشر لمدى حاجتها للعمل على تطوير أنظمتها التعليمية, ومن أبرز هذه الاختبارات اختبار "تيمز", وهي مفردة تشير لتعريب الاسم المختصر باللغة الانجليزية TIMSS، والذي يعني "التوجهات في الدراسة الدولية للرياضيات والعلوم, وهي دراسة تقويم دولية تتضمن اختباراً للتحصيل المدرسي لتتبع الأداء المعرفي لطلبة الصفين الرابع الابتدائي والثاني المتوسط في الرياضات والعلوم, وقد ظلت نتائج طلاب المملكة في الدورات الثلاث الأخيرة لهذا الاختبار دون المأمول, بداية من تيمز2011 مروراً بتيمز2015 وحتى تيمز2019؛ ما حدا بالقائمين على التعليم في بلادنا إلى إحداث تغييرات جوهرية في نظامنا التعليمي كان أخرها تطوير المناهج والخطط الدراسية, وإقرار التقويم الدراسي الجديد في ثلاثة فصول لكافة مراحل التعليم العام .
وسأتناول هنا أبرز العوامل المتعلقة بمادة العلوم للصف الرابع الابتدائي في المملكة العربية السعودية والتي عرضها تقرير الاختبارات الدولية تيمز2019, وفي مقدمتها عامل الوقت المستغرق لتدريس المادة, حيث بلغ متوسط عدد ساعات تدريسها 66ساعة, وهي تشكل 6% من كامل ساعات دراستهم, فيما بلغ متوسط عدد ساعات تدريس العلوم للدول المشاركة 75ساعة, أي 8% من كامل ساعات دراستهم, وقد تفاعلت وزارة التعليم مع نتائج هذا العامل وتمت زيادة حصص تدريس العلوم مع بداية الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 1442هـ في كافة الصفوف الدراسية, حيث أصبحت 3حصص في الصف الرابع على سبيل المثال بدلاً من حصتين؛ ما يعني تجاوز المتوسط الدولي الحالي .
وبالنظر إلى أثر عامل الوقت المستغرق في تدريس العلوم على نتائج طلبة الصف الرابع الابتدائي نجد أن الدول التي حققت المراكز الأولى لم تكن على رأس قائمة الوقت المستغرق لتدريس العلوم, فطلاب سنغافورة الذين حصلوا على المركز الأول استغرقوا 84 ساعة في دراسة العلوم, بينما جاء طلاب بلجيكا الذين استغرقوا 169ساعة بالمركز 35, فيما حقق طلاب لاتفيا المركز السابع بفارق 50 درجة تقريباً عن المركز الأول, رغم أنهم لم يستغرقوا سوى 58 ساعة, كما حقق طلاب إيرلندا المركز 18 وبفارق 70 درجة تقريباً عن المركز الأول, رغم أنهم استغرقوا 34 ساعة فقط كأقل وقت مخصص لدراسة العلوم بين الدول المشاركة, فيما استقر أداء طلاب المملكة عند المركز 53 من بين 58 دولة مشاركة .
ومن العوامل التي أظهر التقرير أثرها على تحصيل طلبة الصف الرابع بالمملكة في مادة العلوم ما يلي:
▪ التنمر: حيث كان أعلى من متوسط الدول المشاركة بـ 50%؛ وهذا يتطلب التنبؤ بالأسباب التي تؤدي لارتفاع سلوك التنمر ووضع الحلول الوقائية لها بالتعاون مع كافة الجهات المرتبطة, ومن ذلك تصميم برامج تعلم تشاركية تعاونية تستهدف بناء علاقات إنسانية ناجحة بين الطلاب .
▪ الشعور بالتعب: حيث أظهر التقرير أن 29٪من طلاب الصف الرابع بالمملكة يحضرون للمدرسة وهم يشعرون بالتعب؛ وهذا يتطلب توعية أولياء الأمور بأهمية ساعات نوم الطلاب, وتفقد وسائل ذهابهم للمدرسة, مع التأكيد على تناسب توزيع الحصص الدراسية في الجدول الأسبوعي مع محتوى المواد والخصائص السنية للطلاب والعوامل المناخية لبيئة المدرسة, والأخذ في الاعتبار مدى رتابة أو جاذبية طابور الصباح, ونشاط الطلاب داخل المدرسة .
▪ الشعور بالجوع: ذكر التقرير أن 36٪ من طلاب الصف الرابع بالمملكة يأتون للمدرسة وهو يشعرون بالجوع؛ ما يستوجب التأكيد على أهمية تناول الطلاب لإفطار صحي مناسب في المنزل, وتوعيتهم بأثر السلوك الغذائي على تعلمهم, مع ضرورة تقديم وجبات صحية في المقاصف المدرسية .
▪ استخدام التقنية في التعليم: حيث أظهر التقرير أن 37% من طلاب الصف الرابع بالمملكة استخدموا الحاسب في دروس العلوم, كما أنّ 16٪ من الطلاب تعلموا في حصص استخدم فيها المعلمون أجهزة الحاسب, وفي هذا الإطار نطمئن لتصاعد استخدام الطلاب لأجهزة الحاسب مع إطلاق وزارة التعليم لمنصة مدرستي خلال جائحة كورونا, ومن المتوقع انتقال تجارب المعلمين معهم للصف الدراسي حال فتح المدارس, وكذلك اصطحاب الطلاب لأجهزتهم داخل الصف الدراسي .
▪ البيئة المنزلية الداعمة والتعليم المبكر: وذلك بالنظر إلى دعم الدراسة المنزلية, وعدد كتب الأطفال في المنزل, وأعلى مستوى تعليمي ومهني لأي من الأبويين .
ختاماً فإننا ننظر بإيجابية للقرارات التي اتخذتها وزارة التعليم لتطوير المناهج والخطط الدراسية بهدف رفع كفاءة العملية التعليمية وفق أفضل الممارسات العالمية، وتحسين نتائج الطلاب والطالبات، وتطوير مهاراتهم, مع التنبه للتحديات التي قد تصاحب تنفيذ هذه التجربة ومنها مدى جاهزية البيئة المدرسية لهذه التجربة, والظروف المناخية المتباينة لمناطق المملكة, والغياب الذي قد يسبق أو يلي الإجازات التي تتخلل التقويم الدراسي الجديد؛ ما يُحدث فجوة زمنية في الوقت المستغرق للتدريس قد يعيدنا لما دون متوسط 6% التي كنا عليها قبل إحداث هذا التطوير .
كما أننا نتطلع لنتائج طلابنا وطالباتنا في الاختبارات الدولية تيمز2023 والتي ستكون أحد أهم المؤشرات على نجاح الخطوات التي اتخذتها وزارة التعليم؛ وهذا يدعونا لتكامل جهود كافة الأطراف والعمل على استيعاب تجربة التقويم الدراسي الجديد والتكيف مع متغيراته بالشراكة مع الأسرة ليستمر العطاء ويكون طلابنا وطالباتنا نماذج تحتذى في السير باتجاه تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 ليكون وطننا كما خطط له قادتنا بمصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات .
▪ هيئة تقويم التعليم والتدريب؛ تقرير TIMSS.2019: https://cutt.us/OxFhF
حامد بن أحمد المالكي
@hamed_malk
18-10-1442هـ