التقنية وقوة الدماغ
جاءت الاستجابة الفورية المدروسة للتعامل مع جائحة كورونا مستهدفة استمرار التعليم في المملكة, واستثمار طاقات الطلاب لإعدادهم لبناء مستقبل الوطن من خلال تسخير كافة الإمكانات المتاحة, والمتأمل في تجربة التعليم عن بعد في بلادنا يجد أنها فتحت نوافذ جديدة للبحث العلمي المتعمق في كافة المتغيرات التي صاحبت هذه التجربة, وهنا أشير لأهمية استشعار الباحثين لدورهم في دعم جهود وزارة التعليم الرامية للتعرف على التحديات التي تواجه التعليم عن بعد, وإيجاد الحلول اللازمة لها من خلال تحديد أثر البرامج الرقمية على تنظيم البناء المعرفي للطلاب ودراسة كيفية اكتسابهم للمعلومات وتجهيزها ومعالجتها والاحتفاظ بها واسترجاعها عند الحاجة إليها, وفي هذا الإطار يشير علماء التربية لأهمية دراسة المعلم لعلوم الدماغ والتعرف على مكونات الذاكرة, وطريقة سريان المعلومات فيها أثناء التعرض لمواقف التعلم المختلفة .
وقد وجد العلماء أن ذاكرة الإنسان تتكون من الذاكرة الحسية التي تخزن المعلومات لمدة لا تتجاوز الثانية الواحدة بعد زوال المثير الحسي, ويتوقف دورها على تنظيم تمرير المعلومات بين الحواس والذاكرة القصيرة المدى التي تخزن تلك المعلومات لفترة لا تتجاوز30 ثانية بهدف الاستفادة منها في المواقف التالية, تقوم بعدها الذاكرة العاملة بالتعامل مع المعلومات الجديدة في الذاكرة قصيرة المدى من خلال مضاهاتها بما هو مختزن في الذاكرة طويلة المدى, ومن ثم تجهيزها ومعالجتها لاتخاذ القرارات وحل المشكلات وتغيير البنية المعرفية في الذاكرة طويلة المدى التي تختزن فيها المعلومات لفترات زمنية طويلة قد تمتد على مدى عمر الإنسان, حيث يتم فيها ترميز المعلومات وفقاً لما يتناسب مع حالة تلك المعلومات, فمنها ما يخزن صوتياً وفقاً لمنطوق الكلمات, ومنها ما يخزن على هيئة سلاسل من الصور, فيما تخزن بعض المعلومات وفقاً للمعاني التي تتضمنها المثيرات, ويتوقف على تكامل سلسلة هذه العمليات النجاح أو الفشل في بقاء المعلومات في الذاكرة طويلة المدى .
وبذلك نجد أن الذاكرة الإنسانية محور النشاط العقلي المعرفي الذي تقوم عليه كافة الأنشطة العقلية, ويستحيل إنجاز أية مهمة أو القيام بأي نشاط حركي أو عقلي أو انفعالي في غياب الذاكرة .
إن قناعتنا بأن قوة الدماغ تكمن في الأفكار التي ينتجها وليس في المعلومات التي يمتلكها تعزز الاتجاه نحو إعادة تصميم المناهج الدراسية وتنظيم المعلومات والأنشطة المقدمة للطالب من خلال دمج التقنية في التعليم واستخدام وسائط رقمية مناسبة تزيد من سعة الذاكرة وتنظم محتواها بما يساعد الطالب على الإبداع والتعلم وحل المشكلات, أي أن الامر لا يتوقف على قدرتنا على نقل المعارف للطلاب، بل لجعلهم يفكرون بطرق إبداعية لحل المشكلات .
ختاماً نشكر لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين ما وجده ويجده التعليم في بلادنا من دعم لامحدود, كما نعتز بحماس المعلم السعودي وما يمتلكه من خبرات تقنية تراكمية اكتسبها من خلال التنمية المهنية الذاتية, ونثني على تعاون أولياء الأمور وجهودهم في متابعة أبنائهم وتوفير البيئة المناسبة للتعليم, وفق الله الجميع للسير بهمة نحو القمة التي تلبي طموحات قادتنا في أن تكون بلادنـــا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة .
حامد بن أحمد المالكي
23- 3- 1442هـ
@hamed_malk