تلك المهنة الراقية التي تفيد صاحبها وينتشر عبقها الزاكي لما حوله؛ فهي تلبس المعلم كساءً من العلم والصبر والعمق الفكري الهائل، ليس عمقًا في العلم المعرفي الذي يُدرِّسه فقط؛ بل عمقًا في فهم الآخرين وخصائصهم وأبعادهم وخلفياتهم النفسية والاجتماعية... وكيفية تأثيرها على النفس، وكيف تظهر كسلوك، وكيف تُدعَم وتُهذّب إن دعت الحاجة.
فالمعلم متأمل.. اكتسب التأمل من سياق عمله وتعامله مع مختلف أصناف الناس ومستوياتهم؛ من رؤساء وطلبة وأولياء أمور وغيرهم. ويتغير من يتعامل معهم سنويًا لتَخرُّج طلاب ودخول غيرهم، وهذا ما يجعله يستبصر التغيرات المجتمعية في القيم والاهتمامات والسلوك والتفكير وحتى الذائقة. مما يكسبه حكمةً وقدرة على التغيير في الطرق والأساليب التعليمية والإرشادية الملائمة لكل جيل، ولكل فئة من الطلاب، بل ولكل فرد منهم!
وكم من طالب يستشعر تغيير حياته بسبب معلم مُحفّز، وكم من ولي أمر دُعم ولده وعُرفت مواهبه بفضل الله ثم فضل معلم حذق يبذل جهده للآخرين محفزًا ومعززًا.. وهذا يذكرني بعبارة الكاتب فواز اللعبون حينما قال: "لا أحد يكافئك على إحسانك لنفسك إلا ثلاثة: أم، أب، معلمٌ مخلص".
والجميل المُلاحظ أن المعلمين لا يسعون لإظهار هذا التأثير، ولا يعدونه نقطة اهتمام يدور حولها حديثهم في المجالس والتجمعات؛ بل نجدهم لرقيّهم واعتيادهم النفع لا يتحدثون عنه كأنه عادة يومية تحدث ملازمةً لعملهم اليومي.
وأمام هذا التأثير للمعلم يجب الاعتراف بفضله وجهده لرفعة الطلاب وإكسابهم نموًا شاملًا معرفيًا وعقليًا وصحيًا ومهاريًا ووجدانيًا، وبذلك يصنعون باذن الله جيلًا مفكرًا راقيًا متكيفًا منفتحًا على الحضارات بعقل واعٍ وتفكيرٍ ناقد يجعلهم يتطورون ولا ينهدمون. مذكرا إيانا بقول الشاعر جبران خليل جبران: "يقوم الوطن على كاهل ثلاثة: فلاح يغذيه، وجندي يحميه، ومعلم يربيه".
ومقابل كل ذلك علينا أن نُجزِل الشكر للمعلم وندعمه بالدعاء له بالسداد والتوفيق، وبتذليل العقبات، ونربّي أبناءنا على ذلك مقتدين بهدي رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الصحيح الذي رواه عبادة بن الصامت: "ليس منّا من لم يُجلّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه".
بقلم / غاده الحويطي . تبوك