مقام الدعوة إلى الله تعالى في الإسلام عظيم، بل هي أساس من أسس انتشارهِ، وركن من أركان قيامه، قال تعالى :﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: ١٠٨] فلولا الدعوة إلى الله لما قام دين، ولا انتشر إسلام، وبالدعوة إلى الله تعالى يُعبَد الله وحده، ويهتدي الناس، فيتعلمون أمور دينهم، من توحيد ربهم، وعبادته، وأحكامه من حلال وحرام، ويتعلمون حدود ما أنزل الله، وبالدعوة إلى الله تعالى: تستقيم معاملات الناس، من بيع وشراء، وعقود، ونكاح، وتصلح أحوالهم الاجتماعية والأسرية، وبالدعوة إلى الله تعالى تتحسن أخلاق الناس، وتقل خلافاتهم، وتزول أحقادهم وضغائنهم، ويقل أذى بعضهم لبعض، وإذا ما قامت الدعوة على وجهها الصحيح .
إن الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل والأنبياء الذين هم خيرة الناس من عباده وسفرائه إلى الأرض، وهي مهمة خلفاء الرسل وورثتهم من العلماء العالمين, والربانيين الصادقين، وهي أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى؛ لأن ثمرتها هداية الناس, وتحبيبهم في الخير, وتنفيرهم من الشر والباطل, وإخراجهم من الظلمات إلى النور: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دعا إلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33).
والدعوة بحاجةٍ إلى داعية رحَّالة يحمل دعوته ورسالته فوق ظهره؛ يتحرَّك بها في أرجاء الكرة الأرضية، شعاره ﴿وجاء رجل مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ (القصص: من الآية 20)؛ فهو ساعٍ إلى الخير دائمًا في حركةٍ دائبةٍ وترحالٍ لا يتوقف، وهو فارس لا يترجَّل، يجوب الأقطار والأمصار شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه.
والدعوة إلى الله بحاجةٍ إلى رجلٍ له من ميراث يحيى- عليه السلام- نصيب؛ فقد أمره الله بقوله: ﴿يَا يَحْيَى خذ الكتاب بِقُوَّةٍ﴾ (مريم: من الآية 12)، فأخذه بهمةٍ وعزيمة، وقام يبلِّغ قومه وينذرهم، وجعل من نفسه وقفًا لدعوته، حتى قُطعت رقبته فداءً لدين الله، وهكذا يجب أن يكون الداعية في أخذه دعوةَ الله بقوة، وقيامه بها ووقْف حياته لها.
والدعوة إلى الله بحاجةٍ إلى داعيةٍ له في هدهد سليمان العبرة والمثل، في تحرُّكه وانطلاقه وذاتيته وإيجابيته التي كانت سببًا في إسلام أهل اليمن.. فأين الرجل الهدهد في دعاة اليوم الذي يكون سببًا في إسلام أمة أو دولة أو قرية كما فعل الهدهد؟! بل أين الداعية الذي يكون سببًا في إسلام قبيلة أو عشيرة، أو حتى رجل واحد على الأقل؟!. قال- صلى الله عليه وسلم-: "لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُرِ النعم".
والداعية الناجح لا ينسى أن الدعوة بالقدوة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة بالأمل من وسائله الدعوية الأساسية للوصول إلى الجماهير.
وعلى الداعية أن يكون له معالم أساسية تتماشى مع ما توصَّل إليه العالم من تطوِّر وتقدُّم؛ فالداعية الناجح لا يترك وسيلةً لعرض دعوته وكسب الأنصار لها إلا استعملها، وهو يستفيد من كل ما أتيح له من وسائل حديثة ومن مستجدات العصر في الدعوة إلى الله؛ فهو يدعو عبر القنوات الفضائية، وعن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وكل ما يُستجدُّ من وسائل وتقنيات حديثة، ولا يحصر نفسه في دائرةٍ ضيقة من الوسائل، مع الحفاظ على ثوابت الدعوة وأصولها
والداعية الناجح يأخذ بالتنوع في وسائله الدعوية وبما يتناسب مع الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وشعاره: "أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم"
فلقد أدَّى انتشار (الإنترنت) والفضائيات سريعًا في جميع أنحاء العالم إلى تعظيم دورها في نقل المعلومة، وعرض وجهات النظر المختلفة، ومع تنامي هذا الدور صار لهذه الوسائل الجديدة أهمية إعلامية تُعد في المرتبة الأولى عالميًّا، حتى أصبحت أداةً رئيسيةً من أدوات الحياة في عصرنا. ومنذ دخول المسلمين إلى هذا المجال وجدت الدعوة آفاقًا جديدةً لتنطلق من خلالها في الفضاء الإعلامي، وهذا ما قام به عددٌ من الدعاة بنجاحٍ ملحوظ، خصوصًا في الفترة الأخيرة. والداعية الناجح يهتمُّ بالأهداف العامة للدعوة؛ وهي تحقيق "الإيمان العميق، والتكوين الدقيق، والعمل المتواصل"0
بقلم الطالبة :
تغريد علي سعيد