بالنظر للمرحلة العمرية التي يمر بها الأطفال والتي تتسم عادةً بسرعة نموهم الجسمي والعقلي والفسيولوجي والانفعالي والحسي والحركي واللغوي والاجتماعي ، فضلا عن سرعة تأثرهم وتقلب أمزجتهم وميلهم الشديد للتقليد والمحاكاة ، فإن ما يقع منهم من سلوكيات مُخالفة أو سيئة أو عدم تجاوب أحياناً للقيام بأعمال وواجبات مدرسية يُعد أمراً طبيعياً لا جدال فيه ، ولأن الكذب يتصدر أولويات هذه السلوكيات السيئة لدى كثير من الطفال وهو ما يهمنا كثيراً في هذا المقال ، فإنه لخليق بنا أن نوضح هنا ابتداءً بأن الكذب هو ضد الصدق وهو من السلوكيات المُكتسبة وليست الفطرية أو الموروثة كما أنه يُعد من أخطر الآفات التي تفتك بالنفس البشرية متى سبر غورها وتملكها ومن هنا جاء الإسلام للتحذير منه والنهى عن ممارسته بقول المصطفى صلّ الله عليه وسلم : إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار.. ، مقابل التحلي بالصدق بدلاً منه لما يُمثله من قيمة خُلقية سامية ، ومطية لكل خير للإنسانية جمعاء كما أمر بذلك نبينا صلّ الله عليه وسلم حينما قال :عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولأن الطفل يُولد على الفطرة الالاهية الصافية والنقية من كل الشوائب ، فإن إمكانية تشكيله على النحو الذي نرتضيه لبناء شخصيته بات في غاية السهولة . جاء في الحديث قوله صلوات ربي وسلامه عليه : ما من مولود إلا ويوُلد على الفطرة فأبواه يُهودانه أو يُنصرانه أو يُمجسانه ، وللكذب أنواع ، ومنها (1) تقليدي ويستخدمه الطفل من باب تقليد والديه أو من يقوم بتربيته ، وهنا تبرز مدى أهمية القدوة الحسنة للأبناء قولاً وفعلاً ، فليس من الصواب البتة أن يعد الأب طفله بإحضار لعبة يحبها ، ولا يفيئه ُ بما وعده أو يسأله سؤالاً ربما يكون مُحرجاً فيجيبه بإجابة غير صادقة أو منطقية ، فيبني عليها علمه ومعرفته ليظل كذلك رهين الظروف إلى أن يتحصل على الإجابة الصحيحة لا حقاً (2) خيالي ويستخدمه الطفل كمبرر لأجل ألاّ يقوم بما يُكلفه أحد والديه بأي عمل كإحضار سلعة من متجر مجاور لمنزلهم مثلا بحجة أنه سمع صوت حيوان متوحش يتحرك حول منزلهم وهو ليس كذلك (3) تعويضي ويلجاً إليه الطفل لسد النقص الذي يكتنف شخصيته ليثبت لأقرانه بأنه بعكس ما يتوقعوه فيه من ضعف ونحو ذلك ، وليحظى أيضاً بتقديرهم وإعجابهم (4) غرضي ويستخدمه الطفل وقتما يشعر بعدم ثقته بوالده وموافقته إياه فيما يطلبه منه ، فيتخذ من المدرسة على سبيل المثال وسيلة لتحقيق هذا الطلب كأن يقول لوالده لقد الزمتنا مدرستنا إحضار لعبة مُعينة بينما هو في الحقيقة يريدها لنفسه (5) انتقامي ويلجأ إليه الطفل في حالة كونه لم يجد العدل والمساواة والاهتمام البالغ من لدن أسرته أسوة بإخوانه أو زملائه في الروضة أو المدرسة ، فيعمد لاتهامهم بأمور غير مناسبة في حقهم لأجل توقيع العقوبة عليهم أو الإساءة لهم أو التقليل من شأنهم من باب الغيرة وسد النقص الحاصل لديه . تلكمُ هي أنواع الكذب ودوافعه والتي تتأتى من ناتج (1) خوف الطفل من العقوبات القاسية أو الصارمة التي تُمارسها أسرته أو في معاقل تربوية وتعليمية أخرى (2) شعور الطفل بالدونية حينما ينتقل من بيئته الفقيرة إلى بيئة أخرى أحسن حالٍ منها ، فيستخدم حينئذ الكذب لإخفاء هذا الشعور ولأجل أيضاً مجاراة من يخالطهم من أطفال تلك البيئة (3) تكليف الطفل بأعمال منزلية وهو غير راضٍ أو مقتنع أو لديه نية للخروج مع أصحابه ، فيتخذ من الكذب مبرراً للتخلص من هذه الأعمال (4) مُعايشة الطفل لمشاكل ونزاعات وعدم تكيف داخل أسرته ، وفي نفس الوقت لا يجد فيها ما يُلبي حاجاته ويُشبع رغباته وميوله (5) تأثر الطفل بما يصله عبر وسائل الإعلام والفضائيات وأجهزة التواصل الاجتماعي من برامج ومسلسلات واعلانات تتضمن مفاهيم مغلوطة أو غير منطقية أو متناقضة أو تظليليه . أما سبل معالجة سلوكيات الكذب ، فتتم أولاً بالوقوف الفعلي على مسبباته والحرص التام على ترسيخ مفاهيم الصدق وبناء الثقة والابتعاد عن كل ما يخوف الأطفال ويتناقض مع ما تعلموه بالإضافة للقدوة الحسنة لهم قولا وفعلا ، واستخدام مختلف الأساليب التعزيزية والتشجيعية التي من شأنها تدفعهم لترك سلوكيات الكذب ، والاستعاضة عنها بسلوكيات أخرى إيجابية على ألاّ يكون الضرب أو السخرية أو التشهير من ضمن هذه الأساليب التربوية لما ينضوي عليها من ردود أفعال عكسية تدفع بهؤلاء الأطفال لممارسة الكذب مُجدداً لأجل تفادي عقوبات لاحقة كما أجمعت عليه كثير من الدراسات والأبحاث التربوية والنفسية التي تمت بخصوص ذلك
الباحث والمفكر التربوي عبدالفتاح بن أحمد الريس
عبدالفتاح بن أحمد الريس

ما الذي يحمل الأطفال على الكذب ؟
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/263815/