ما من مجتمع على هذه البسيطة في الغالب الأعم ، وعلى امتداد التاريخ إلا ويُعنى بالتربية من كافة نواحيها ، ويهيئ لها كافة السبل الممكنة لأجل بناء شخصيات أفرادها وفق أيدولوجيات تربوية تجعلهم قادرون على العمل وتحقيق ما يتطلعون إليه من أهداف ، وغايات في مختلف مجالات التنمية الشاملة لهم ولبلادهم ، ولأن الملك عبد العزيز طيب الله ثراه يدرك ذلك منذ وقت مبكر ، ومن خلال أيضاً معايشته لواقع ما كانت عليه هذه البلاد قبل توحيدها على يديه بتوفيق الله من فوضى عارمة ، ونزاعات ، وتشتت ، وجهل ، وأمراض وخرافات ، فقد بذل يرحمه الله كل ما في وسعه لأجل تحقيق هذه الرغبة الجامحة مبتدئاً أولا بتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في ربوع هذه البلاد على أساس من العقيدة الإسلامية السمحة والتي أتخذ منها شعاراً للتوحيد ، ونبراساً لحياة عموم مواطنيها ليواصل بالتالي مسيرته المباركة ، فيأمر حينئذ بإنشاء مديرية المعارف عام 1344هـ للإشراف على كل ما له علاقة بالشؤون التربوية والتعليمية على مستوى المملكة ، والتي ما لبثت أن تحولت إلى وزارة عام 1373هـ ، بعد أن تزايد أعداد المدارس بمراحلها المختلفة بالإضافة لافتتاح بعض المعاهد والكليات ، ومدرسة تحضير البعثات الخارجية ، والمدارس الأهلية نتيجة للإقبال الكبير على التعليم لترتفع هذه المدارس في السنة الأولى من إنشاء هذه المديرية من 12 مدرسة تضم 700 طالب إلى 381 مدرسة تضم 48660 طالب يعلمهم أكثر من ألفي مُعلم ، فيما وصلت ميزانيتها إلى عشرين مليون ريال قبيل تحويلها إلى وزارة . على أية حال لسنا هنا بصدد الحديث عن التربية والتعليم في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، والذي من غير الممكن اختزاله في بضعة سطور أو وريقات بالنظر لبداياته التأسيسية ، وخطواته التوسعية والتطويرية وما تم إنجازه طيلة عهده يرحمه الله لأجل مواكبة العصر ، ولكن ما وددنا ايضاحه في هذه العجالة هو ما كان يحرص عليه الملك عبد العزيز وبعزيمة صادقة وتصميم من ضرورة الاهتمام بتربية الأبناء من أساس العقيدة الإسلامية الصافية ، وأن يدخل التعليم إلى كل بيت في هذه البلاد لإيمانه القاطع بأن التعليم سلاح لا يهزم في أي عصر متحدياً بذلك كل الصعوبات والعقبات التي واجهته كاتساع رقعة المملكة والتي أشبه ما تكون قارة ، وضعف اقتصادها نظراً لقلة مواردها الطبيعية ، وندرة المعلمين المؤهلين للعمل في هذا الميدان وعدم اقتناع كثير من الآباء في مختلف أنحاء هذه البلاد بجدوى دراسة أبنائهم لبعض العلوم الحديثة لا سيما اللغة الإنجليزية لظنهم بأنها تعلمهم عقائد الكفار وفساد الاخلاق . زد على ذلك بأنه عندما أمر يرحمه الله بفتح مدرسة لأنجاله لتحقيق هذه الغاية النبيلة ، واستدعائه لمدير المعارف أنذاك ومعه نفر من مسؤوليها إلى قصره العامر طالبهم بوضع منهج دراسي لهذه المدرسة يتضمن القرآن الكريم وعلومه ، واللغة العربية وفروعها ، وكذلك التاريخ والعلوم الرياضية والانجليزي . مؤكداً عليهم بقوله ( إني أريد أن يفهم أبنائي معنى ما يقرأونه من القرآن الكريم ليكون ذلك أدعى إلى العمل ، فالعلم بلا عمل لا فائدة فيه ) وقوله لمدير المدرسة الذي تم تعينه ( نحن عرب ندرك بفطرتنا ما لا يدركه غيرنا . . البسائط من الأمور لا تعتنوا بها . . واعتنوا باللباب واتركوا القشور) ثم ما لبث أن قام برسم الطريقة التي حبذها لمعاملة أبنائه لكي يجدوا ويجتهدوا ويواظبوا على دراستهم بالإضافة لمتابعهم ، والسؤال عن أحوالهم وعن مستواهم الدراسي من حين لآخر على الرغم منحجم المسئولية الملقاة على عاتقه ، ومشاغله الكثيرة في إدارة شؤون هذه البلاد المترامية الأطراف ، وسط أوضاع عالمية غير مستقرة ، ولا تخلوا من صراعات . هذا ما ارتأيناه في هذا المقال لكي يطلع عليه أبناؤنا جيل الحاضر والمستقبل ضمن جهود عظيمة وحثيثة لا تحصى لقيادة هذه البلاد منذ تأسيسها وحتى اليوم سواءً في هذا المجال أو في غيره من المجالات التنموية الأخرى . أدام الله عزها ، ووفقها لكل أسباب التقدم والتطور والازدهار ، وجعلها حصناً حصيناً لهذا الوطن المعطاء ، وأهله الأعزاء ضد كل متجبر ومتربص وعدو لدود .
الباحث التربوي / عبد الفتاح أحمد الريس
عبدالفتاح بن أحمد الريس

الملك عبد العزيز .. التربية أولاً
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/255571/