بينما هو في طريقه لتلك المدرسة التي عُين فيها للتو بإحدى القرى قابله بالمصادفة أحد ساكنيها ممن بلغ من العمر عتيا فسأله : هل أنت مُعلم ؟ فأجابه بنعم ، ولكن بعد أن أخذ هذا الـمُـسن يتحدث عن البناء وتشييد المباني تبين لهذا المُعلّم بأن ما يقصده هذا الـمُـسن هو من يقوم ببناء المساكن لتنتهي هذه المقابلة بالسلام عليه وتوديعه . هكذا يُعـرف الـمُعلم عند كثير من الناس فمنهم من يعتبره الشخص الذي يقوم ببناء الجدران والأبنية وما يماثلها من مهن في مختلف مجالات الحياة ومنهم من يعتبره الشخص الذي يقوم بتعليم الطلاب الدروس في معاقل التربية والتعليم ، ولتعميم الفائدة فإن مسمى مُعلم يطلق بحسب ما ورد في المعاجم اللغوية على كل من يقوم بممارسة إحدى المهن استقلالاً كالبناء والنجارة والحدادة والفلاحة والتعليم . . وبكفاءة عالية غير أن مُعلم الطلاب وهو ما يهمنا في هذا المقام يختلف كثيراً عن المُعلم في بقية المهن الأخرى ، وإن كانت جميعها تحتاج إلى أمانة واخلاص وإتقان . ذلك لأن المُعلم يبني عقولاً بشرية متنوعة ومتفاوتة في القدرات والميول والاتجاهات ويتعامل مع مشاعر وليست جوامد ، ولذلك ما أحوجه إلى مسوغات تربوية وتعليمية ينطلق منها لتعليم الطلاب وإلى كيفية التعامل معهم وتوجيههم الوجهة السليمة وإعدادهم للحياة العملية ، ومن هنا يعظم دوره ومسؤوليته كما ذهب إلى ذلك ابن القيم الجوزية رحمه الله حينما قال : من يقوم بدور المُعلم فقد تنصب أمراً عظيماً ، والمُعلم من ناحية أخرى يختلف عن المدرس من حيث الدور التعليمي الذي يقومان به داخل حجرة الدراسة ، فحيثما يقوم المُعلم بتقديم المعلومات لطلبته في المراحل الدراسية العامة ويكون هؤلاء الطلاب مستقبلين لهذه المعلومات ، وهذه العملية غالباً ما تتم من طرف واحد وهو المُعلم ، فإن المدرس هو من يقوم بتقديم المعلومات لطلبته في مراحل دراسية عليا بمشاركة طلبته وتفاعلهم معه للوصول إلى مستخلصات وأهداف تتطلبها دراستهم الجامعية ، وكلاهما أي المُعلم والمدرس يتقاسمان هذا الدور التربوي والتعليمي وفي نفس الوقت بإمكان أحدهما أن يقوم مقام الآخر إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذه العملية التعليمية ولكي تحقق أهدافها المرجوة لابد وأن تتم في اطار من التفاعل التام بين المعلم أو المدرس وطلبتهما من خلال المناقشة والحوار والعصف الذهني والنشاطات العلمية وكل ما يساهم في تنمية التفكير الخلاق والمبدع كالمسائل الرياضية وإقامة التجارب وما شابه ذلك ، فبناء الإنسان المفكر والسوي والقادر على التأمل والنظر والتمييز بين الخير والشر والحق والباطل وما تستدعيه الحياة المعاصرة من فهم حقيقي وتدبر ومواكبة لكل جديد ، ومواجهة لما يجري فيها من متغيرات فكرية وعقائدية وتحديات بات من الصعـوبة بمكان تحقيقه ما لم يكن هناك مُعلّم متمكن في مادة تخصصه وما يطرأ عليها وقادر على تحمل المسؤولية والعطاء المستمر ولديه قدرٌ كبير من المهارات الفنية والتدريسية التي تعينه على القيام بدوره التربوي والتعليمي خير قيام بالإضافة لتخليه عن الطرق التقليدية القديمة في تعليمه لطلبته والتي أثبتت دراسات تربوية كثيرة بمحدودية فائدتها نظراً لآنها تقوض التفكير ناهيكم عن ضرورة الابتعاد عن كل ما يؤثر على نفسيات الطلاب من قهر واستبداد وقمع لهدف ضبط سلوكياتهم . يقول أحد المفكرين التربويين في هذا الصدد بأن أفضل طرق التعليم ما كان منه قائم على تنمية التفكير ، وأن تعليم الطلاب بطريقة الادراك الحسي يعتبر أساس لكل تقـدم عـقـلي وقوامه ، وذلك لما يكونه لدى الطلاب من مدركات أساسية يمكن الاعتماد عليها مستقبلا لتكوين مدركات أوسع وأكثر شمولية وحافلة أيضاً بالمعاني والدلالات الصحيحة مضيفاً إلى ذلك : بأن أصدق مقياس للتعليم الناجح هو ما يُشاهد من تطور في سلوكيات الطلاب ودفعهم نحو العمل الخلاق .
عبد الفتاح بن أحمد الريس
باحث تربوي ، ومؤلف وكاتب صحفي
5 pings