في ظل العولمة التي نعايشها اليوم بمختلف أبعادها ومسوغاتها ، وما تحمله بين جنباتها من أهداف براجماتية صرفة لصالح قوى عظمى تربعت على عرشها للنيل من مجتمعات مستضعفة لا سيما الإسلامية منها فضلا عن أدوار أخرى تبشيرية وتغريبية وعلمانية وانتهاكية ومفاسد خلقية باتت التربية المنشودة للأبناء ومن هذا المنظور بالغة الصعوبة ، وأن ما يقع فيه بعض أبناء أمة الإسلام من سلوكيات شاذة أو منحرفة أو متطرفة أو ارهابية ما هو في حقيقته إلا نتاج ايديولوجيات لهذه القوى الامبريالية والصهيونية العالمية ، والتي لا تألو جهداً في كل ما من شأنه تحقيق مثل هذه الأهداف البغيضة ومآرب أخرى مستفيدة بذلك منمختلف وسائل الإعلام والفضائيات والأجهزة الذكية التي لا يخلوا منها أي بيت على امتداد الكرة الأرضية ، ومن يتابع الاعلام والفضائيات الغربية والعربية الموجه يجد ذلك واضحاً من خلال ما تقدمه من مواد وبرامج ومسلسلات تبعث على النزعة الطائفيةوالمذهبية والعنصرية والميل الجنسي والتبرج والتردد على المراقص والبارات وشرب الخمر والكحول تحت طائلة المشروبات الروحية ، ولقد صدق أحد مفكريهم حينما قال : إن احتلال الشخصية أهم من احتلال منابع النفط وأن السيطرة على العقول أهم من السيطرة على الأسواق معتبراً العولمة أحد سُبلهم للغزو الفكري والثقافي المتطور أكثر من ذي قبل ، ومع هذا كله ( وهذا كلامنا ) يصل إلى أبنائنا عبر تلكم الوسائل الآنفة الذكر ودونما تشفير أو مراقبة أو توجيه لتبيان لهم الحق من الباطل والمفيد من الضار والغث من السمين ، ولطالما أمتنا الإسلامية هذا هو قدرها ، فما الحل إذاً ؟ الإجابة نرتئيها في اتباع ما يلي :
ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الابناء وتبيان لهم بأنها هي الوحيد من بين سائر ديانات الأمم والشعوب الأخرى التي يجد فيها الانسان الطمأنينة والأمن والاستقرار ومختلف جوانب الخير ، وأن من تمسك بها فاز بالجنة ومن حاد عنها دخل النار مصداقاً لقوله تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُـقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ) .
الالتفاف حول الأبناء وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عما بداخلهم وابداء آرائهم وتلبية احتياجاتهم ، وليس العكس زجرهم أو ضربهم لأتفه الأسباب أو تركهم يصارعون افكاراً سيئة نمت إليهم من أناس مغرضين والتي ربما تدفعهم إذا لم يجدوا الرعاية والتوجيه اللازم إلى احداث سلوكيات غير محمودة العواقب .
تشجيعهم على كل بادرة إيجابية يقومون بها وحثهم على التزود بالعلم والمعرفة والثقافة وعلى أيضاً كيفية التعامل مع الآخرين وعلى حل المشكلات وكذلك التعامل مع سائل الاعلام والأجهزة الذكية ، وتبصيرهم بمدى أضرارها واخطارها في حالة استخدامها بطرق غير صحيحة .
العمل على تعديل سلوكياتهم كلما انحرفت عن جادة الصواب بالطرق التربوية المحببة للنفس وفي حالة توقيع العقوبة عليهم ينبغي أن يقصد بها التأديب لا الانتقام والتشفي الذي ربما يصل بهم إلى حد الايذاء الجسدي أو الإصابة بالأمراض النفسية كالخوف والاكتئاب والنزعة للشر والعدوان علاوة على اختلاق الاعذار والكذب واللامبالاة وقتل روح الابداع والابتكار المتوافر لديهم ، وأن تتم هذه العقوبة بالتدريج كالزجر والتخويف والتخجيل وعدم الرضا والمقاطعة وإذ ما كان الضرب مُـلحاً ، فليكن خفيفاً وبعيداً عن المحاسن كالوجه مثلا .
حثهم الدائم على الاقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وجعل ذلك منطلقاً أساسياً لبناء شخصياتهم واستقامة سلوكياتهم وتصرفاتهم في مختلف أوجه الحياة كما في قوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) .
الثقة بهم ، وترسيخ مبدأ الرقابة الذاتية في نفوسهم من منطلق الخوف من الله وخشيته في السر والعلن بالإضافة للأمانة والإخلاص على اعتبار ذلك قيمة خلقية سامية وتعويدهم على تحمل المسئولية ، وعدم تركهم من ناحية أخرى يعايشون المتناقضات أو الحيرة من أمرهم وقتما يسألون عن شيء يهمهم لا سيما وأن عالمنا اليوم يشهد تفجراً معرفياً وثورة معلوماتية غير مسبوقة تحتاج إلى تقصي وتثبت وموضوعية .
مخاطبتهم على قدر عقولهم كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : خاطبوا الناس على قدر عقولهم . ومناقشتهم والتحاور معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن بالإضافة لتنمية تفكيرهم الخلاق والمبدع .
ابعادهم عن مقاهي الانترنت التي تعرض سلوكيات فاسدة وتجنيبهم رفقاء السوء لأجل حمايتهم من الوقوع في براثن المحرمات وتعاطي المخدرات أو ممارسة سلوكيات عدوانية أو تخريبية تضر بالعباد والبلاد .
تحذيرهم من التقليد الأعمى للغربيين كالتجرد من الملابس الساترة للعورة أو وضع قلائد في العنق واليدين أو رسم شامات في نواحي معينة من الجسم أو ما شابه ذلك من السلوكيات الخادشة للحياء والذوق العام ، وتنبيههم بأن هذه السلوكيات بقدر ما هي مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف هي أيضاً مدعاة لتبعيتهم والايمان بمعتقدهم الديني الفاسد ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم السيئة وهناك نصوص شرعية تحرم هذا الممارسات أو الاقتداء بعموم الكفار بأي صورة كانت . حمانا الله واياكم من كيدهم وشرهم .
عبد الفتاح بن أحمد الريس
باحث تربوي ومؤلف وكاتب صحفي - تبوك
1 ping