المهدي المنتظر للعلم والمتعلمين
حظي التعليم في بلدنا الغالي (المملكة العربية السعودية) برعاية فائقة واهتمام بالغ من قبل المسؤولين منذُ عشرات السنين، فقد تم افتتاح المدارس والمعاهد في مختلف مناطق المملكة، كما تم استقدام أعداد كبيرة من المعلمين والمعلمات الأكفاء من مجموعة من الدول العربية الشقيقة في مقدمتها جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية . وقد أعقب ذلك افتتاح عدد لا باس به من معاهد إعداد المعلمين والكليات المتوسطة بهدف إعداد كوكبة من الكوادر التعليمية الوطنية المؤهلة لممارسة التدريس في دور التعليم المختلفة. ثم تلا ذلك افتتاح مجموعة من الجامعات الفريدة التي ضمت عددا من مختلف التخصصات والبرامج العلمية المتنوعة بهدف سد احتياجات المجتمع في مجموعة من التخصصات التي عانت من ندرة في الكوادر المتخصصة (كالتربية والطب والهندسة والعلوم والحاسب الآلي). وخلال العِقد الأول من القرن الواحد والعشرين تم افتتاح المزيد من الجامعات الحديثة والتي تحتوي على العديد من البرامج المتميزة والتي أشرف على تصميمها مجموعة من المتخصصين الأكفاء الذين تلقوا تعليمهم العالي في أرقى جامعات العالم، كما تم انتقاء نخبة من أعضاء هيئة التدريس المتميزين لقيادة دفة التعليم بتلك الجامعات، إضافة إلى طرح الكثير من الوظائف الجامعية ( معيد, محاضر, باحث) لشغلها بعدد من الشباب المثقف الطموح الذين يسعون إلى إكمال مسيرتهم التعليمية ليسهموا بعد ذلك مع من سبقوهم في دفع عجلة التقدم والنمو في تلك البلاد الطاهرة من خلال المؤسسات التي ينتمون إليها . كما فتحت الجامعات أبوابها لاستقبال الطلاب الذين يرغبون في إكمال دراساتهم العليا للحصول على الماجستير والدكتوراه وفق شروط وضوابط ومعاييرعالمية لا تقل باي حال من الأحوال عن تلك المعايير والشروط التي تَسُنُّها الجامعات المتميزة في الدول المتقدمة ، وتضعها كمتطلبات للقبول بها أو الانتساب إليها. وعلى امتداد العقود الثلاث الماضية تخرج من تلك الجامعات زَخْمٌ كبير من المتخصصين من حملة الماجستير والدكتوراه الذين تسلحوا بسلاح العلم والمعرفة بعد أن تم إعدادهم وتأهيلهم وفق خطط علمية عالية الجودة تعتمد على استراتيجيات تعليمية قائمة على التدريب العملي وإعمال العقل والتفكير بدلاً من النقل والحفظ التقليديين، مما سهَّل على الطلاب ربط الجوانب النظرية بالجوانب التطبيقية على أرض الواقع . وقد تمخض عن ذلك تخريج مجموعة من الطلاب الذين لا تقل كفاءاتهم وخبراتهم العلمية بأي حال من الأحوال عن أقرانهم الذين تلقوا تعليمهم في الخارج، بل ربما فاق بعضُهم الكثيرَ من خريجي الجامعات الأجنبية في بعض الجوانب.
ومن باب تنوع المناهل والمشارب ورغبة في الاستفادة من خبرات من سبقونا في بعض المجالات سارع المسؤولون عن التعليم العالي في المملكة إلى ابتعاث أعداد كبيرة من أبنائها إلى الخارج لتلقي تعليمهم في عدد من الجامعات الأجنبية أملا في أن يعود أولئك الشباب بعد أن يكملوا تعليمهم وقد تزودوا بزاد العلم والمعرفة ليسهموا مع أقرانهم من خريجي الجامعات المحلية في دفع عجلة التقدم والازدهار في بلدهم وهم على ذلك سائرون.
وبالرغم من كل ما سبق أعلاه إلا أننا – وبكل أسف - نجد من بين أولئك المبتعثين ثلة قليلة لا تقيم للتعليم المحلي ومؤسساته المتعددة في المملكة وزنا، وينظرون إلى أقرانهم ممن تخرجوا من تلك المؤسسات المحلية نظرة متَدَنِّية تحطّ من قدرهم ، فهم كثيرو التندر بهم وبمؤهَّلاتهم وبدور العلم التي تخرجوا منها ، بل ويشمخون بأنوفهم متعالَين على كل من تعلم في أو تخرّج من جامعة عربية أو محلية اعتقادا منهم بأنهم الأفضل إعدادا وتأهيلا . وقد وصل الحال بأحدهم إلى تحقير كل جميل تقع عليه أعيننا، فأضحى لا يكاد يبرح مجلسا ولا يغادر اجتماعا ولا لقاء على هامش ندوة أو مؤتمر ما إلا وقد صب جام غضبه وأفرغ سمومه على محاور العملية التعليمية برُمَّتها بالمملكة من مدارس ومعاهد وكليات وجامعات وطلاب ومعلمين ومناهج وبرامج تعليم عالٍ وأعضاء هيئة تدريس زاعما زورا وبهتانا أن من يقومون بإعداد البرامج أو بالتدريس والإشراف والمتابعة هم مجموعة أشبه ما يكونون بتلاميذهم المبتدئين؛ حيث لا يحسنون القيام بما يوكل إليهم أداؤه من مهام أو أعمال.
وقد أصبحت على يقين من المواقف المتكررة التي يبث فيها هذا الأحمق ومن على شاكلته سمومه ومزاعمه الباطلة بكل ما في هذا الوصف من معني, - أصبحت على يقين - من غروره وجحوده وجهله، وأنه قد ضل الطريق وأضاع الدليل وكفر بالأنعم التي أغدقتها عليه المملكة! فلو افترضنا جدلا صحة ما زعمه وادعاه فإنه سيكون أشبه بمن يهيل التراب على رأسه؛ فقد قضى جزءا كبيرا من عمره دارسا ومتعلما في مدارس المملكة وجامعاتها التي يصب عليها جام غضبه ، كما أنه تلقى تعليمه على أيدي من يصفهم بأنهم أشباه أساتذة ولا يزيدون عن تلامذتهم شيئا من خبرة ومعرفة، فهو إذن وفي الحقيقة نتاج صُنْعهم وخبز أيديهم، وهم الذين قاموا بتلقينه وتدريسه كل صنوف الجهل والضياع (إن صدق ما قاله) مما يجعلنا نجزم بأنه من ذات الصنع والخبز: ولن يصلح الابتعاث ما أفسدته أيدي من وصفهم بالسطحية والجهل وانعدام الكفاءة. فاذا كان الأساس هشا فكل ما يبنى عليه هش مثله وسينهار حتما إن عاجلا أو آجلا. ولا أكتمكم سرا أنني قد ادركت وأنا أسمع كلام ذلك الجاحد الناكر للجميل أنه شخص جاهل ومغرور قاصر في وعيه منحسر في تفكيره . ومن هنا لم أسع إلى نقاشه ولا إلى الإطالة في مجادلته، ليقيني بأنه لايستخف بالعلم وأهله إلا أحمق جاهل ومغرور، فالجدال معه أو مع أمثاله لا فائدة منه ولا طائل من ورائه، لكونه يرى في نفسه ما لا يراه في غيره، فهو المتميز الخارق للعادة، ما يقوله هو الصواب بعينه، وما سواه خطأ مهما كان قائله. ومن جهل قدر نفسه كان أكثر جهلا بقدر غيره .. و لَعَمْري! إنه يتراءى لي أنه يظن نغسه أنه سيكون المهدي المنتظر للتعليم والمتعلمين، وبئس الظن؛ إن الظن لا يغني من الحق شيئا! أختم هذا المقال بما قاله أبو العلاء:
إذا عيّر الطائيَ بالبخلِ مادرٌ *** وعيّر قسّاً بالفهاهة باقلُ
وقال الدجى للشمس:أنتِ كسيفةٌ *** وقال السهى للبدر وجهك حائلُ
وطاولت الأرض السماء سفاهة *** ونافست النجم الحصى والجنادلُ
فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ *** ويا نفس جدّي إن دهرك هازلُ!!
والله من وراء القصد
.....
بقلم: أ. مرزوق الزهراني
طالب دكتوراه مبتعث
شيكاغو -امريكا