تغيرات كبيرة ومتسارعة يمر بها مجتمعنا بكل فئاته مع ازدياد سرعة أعاصير التقنية الحديثة وما تحمله من أجهزة وبرمجيات كسرت الحواجز الجغرافية بين شعوب الأرض, حتى أصبح الطفل الصغير يحمل العالم في يده, ويتنقل بيسر وسهولة بين قنوات التواصل الاجتماعي المتعددة التي لم نعد نستطيع تتبع تطوراتها, أو الإلمام بمحتواها المتنامي بما يقذفه فيها إنسان هذا العصر من بيانات ومعلومات وصور ومقاطع فيديو تتحدث بكل لغات العالم, وتحمل خليط من الثقافات, التي تستند إلى أهداف متعددة, علمها من علم وجهلها من جهل, إن ما تحدثه التقنية الحديثة في حياتنا يشبه ما يحدث عند ملامسة الأعاصير الدوارة لليابسة برياحها العاتية, وأمطارها الغزيرة التي تجعل الأودية تغيض بالماء المختلط بمواد مختلفة في تركيبها وصفاتها, لينتقل ذلك الخليط عبر الأودية والشعاب والأنهار ويصب في بحار كبيرة تلتقي مع محيطات شديدة الملوحة يَنْــكَبُ الجميع حولها بأجهزتهم الذكية, فلا هي ترويهم ولا هم يتوقفون عن الشرب؛ إن سهولة التواصل بين البشر بأنماطهم المختلفة عبر ما أبدعه إنسان هذا العصر فتح المجال لخلط الثقافات وإحداث تغيرات كبيرة في حياتنا؛ الأمر الذي يُخشى من تبعاته على العقائد والمبادئ والقيم التي تربى عليها أبناء هذه البلاد, وفي مقدمة هذه التغيرات البعد عن عبادة الله التي خُلقنا من أجلها, .
.
ومع كثرة المتغيرات وتعدد الحلول؛ يأتي دور المعلم كحلقة تربط المتعلم بما يحيط به من متغيرات, حيث يعمل من خلال إلمامه بخصائص المتعلم على تحديد المخاطر التي قد يتعرض لها, والتنبؤ بالصعوبات والمشكلات التي قد تواجهه, والعمل على مساعدته على التعلم واكتساب
المعارف والمهارات والسعي نحو تجنب المخاطر, واستخدام التفكير العلمي في حل المشكلات التي تعترضه, تحت مظلة المعايير الوطنية للتعليم في المملكة العربية السعودية التي تستند إلى الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي لبنائها, وتراعي تفردنا بمجموعة من القيم الوطنية والاجتماعية, وتتسم بالمرونة والاتساق مع المتغيرات الحديثة, كما أنها تهتم بالعلاقات الإنسانية بين شعوب الأرض انطلاقاً من قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ", وحتى يؤدي المعلم دوره على أكمل وجه ويؤثر في طلابه ومجتمعه فإن عليه أن يكون قدوة في دينه وانتمائه لوطنه وحبه لقيادته, قدوة في تفانيه وخدمته لمجتمعه, قدوة في مظهره وفي سلوكه, قدوة في انفتاحه على العالم وتقبله للأخرين, قدوة في نموه المهني وثباته الانفعالي, قدوة في تعامله مع مستجدات العصر, كما أن على المعلم أن يعمل على بناء شراكات مجتمعية فاعلة مع المجتمع, وإيجاد قنوات للتواصل مع المتعلمين بحيث يكون الأب لمن فقد أباه أو وجد صعوبة في التواصل مع أسرته, والصديق الحميم لمن لم يجد صديقاً, وهو في ذلك كله الأذن المستمعة والعين الناقدة والفكر المتبصر.
ولعل من أهم المتغيرات التي يجب على المعلم مراعاتها عند التعامل مع طلابه رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي أقرها مجلس الوزراء مؤخراً, والتي بنيت على ثلاثة مرتكزات هي المكانة الدينية للمملكة العربية السعودية, والقوةٌ الاستثماريةٌ لها, والموقع الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث قارات, كما أنها تعتمد على ثلاثة محاور, هي المجتمع الحيوي, والاقتصاد المزدهر, والوطن الطموح، وتبدأ من المجتمع كشريك أساسي في نجاحها، وتنتهي إليه حين تهيئ لأفراده خدمات تعليمية متميزة, ورعاية صحية واجتماعية عالية الجودة, وبيئة إيجابية أمنة وجاذبة، تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتعزز الهوية الوطنية, وتراعي الإرث الثقافي العريق لبلادنا؛ ما يستوجب على المعلم الإلمام بمضامينها والعمل على بناء خططه لتتسق معها, كما أن على المعلم الواعي بدوره المحوري في هذه الرؤية العمل على بناء شخصيات المتعلمين وغرس المبادئ الإسلامية الوسطية في نفوسهم, وتعزيز الهوية الوطنية, وجعل الأسرة شريكاً أساسياً في إكساب الأبناء للمعارف والمهارات والسلوكيات الحميدة, التي تجعل منهم أعضاء فاعلين في مجتمعهم يتمتعون بشخصيات مستقلة تتصف بروح المبادرة والمثابرة والقيادة, واضعاً نصب عينيه الأهداف التي تعمل رؤية المملكة 2030 على تحقيقها ومنها توجيه المتعلمين نحو الخيارات الوظيفية المناسبة لهم, والكشف عن المواهب وتطويرها, والمحافظة على منجزات الوطن ومقدراته وموارده الحيوية .
وعندما يستشعر المعلم حجم المسئولية فإنه سيسعى لتهيئة بيئة ملائمة للتعلم, كما أنه سَيُضمن خططه برامج تــنمي لدى المتعلمين الشعور بالمسؤولية تجاه دينهم ووطنهم ومجتمعهم وأسرهم، وسيقدم لهم أنشطة تكسبهم مجموعة من المهارات اللازمة لبناء شخصياتهم بحيث تكون مستقلة وفاعلة, تتحلى بالمبادئ الإسلامية والتقاليد الوطنية كالصدق والأمانة والعفو والتسامح والمرؤة والشجاعة وإكرام الضيف, وبر الوالدين وصلة الأرحام والقيام بحقوق الجار, ومساعدة المحتاجين, وتقدير الوافدين واحترام حقوقهم؛ وبذلك نبني أفراداً قادرين على إنشاء أسر ناجحة تُــــكون نسيجــاً مجتمعيــاً قــوياً يستند إليه وطننا المملكة العربية السعودية في تحقيق رؤيته الطموحة (2030) .
وقفة
تغيير المجتمع ومعالجة مشكلاته ينطلق من خلال ما تقدمه المدرسة من برامج تتسق مع واقع المجتمع وتلبي حاجاته, وما يعد سهلاً في بلدٍ ما, قد يكون معجزة في بلدٍ آخر, فأطفال فنلندا يسيرون على الماء (حين يتجمد), ويستحيل ذلك لدينا, لكن أطفالنا يتنقلون تحت درجة حرارة تفوق الـ 50 درجة, بينما قد يموت الفنلنديون حين تلامس درجة الحرارة 30 درجة .
حامد بن أحمد المالكي
مدرسة عثمان الثقفي الابتدائية الطائف
hamedw1@hotmail.com
1 ping