الإبتكار لايقتصر على تطوير منتج أو تسويق سلعة بطريقة مميزة ، فمفهوم الإبتكار أشمل وأوسع من أن نربطه بالتجارة أو الإقتصاد، فهو يؤثر على الأفراد والمؤسسات والمجتمع ككل. حيث أنه تحول من مصطلح إلى علم يدرس بالمدارس والجامعات، وخير مثال على ذلك برنامج دكتوراه ادارة الإبتكار في جامعة الخليج العربي. حيث أن رؤية الجامعة تشمل تحويل منطقة الخليج العربي إلى مركز وملتقى للإبتكار، والذي سيجذب المفكرين، الباحثين والكتاب الذين بدورهم يصيغون مستقبل الأمه.
لبناء مجتمع مبتكر يجب علينا بالبداية غرس بذور الإبتكار بأفراد المجتمع، وذلك يكون من خلال عدة أمور من أهمها على سبيل المثال لا الحصر، تهيئة البيئة المناسبة ولا تقتصر البيئة على محيط معين، فالبيئة تبدأ أولاً من المحيط العائلي في الأسرة من خلال متابعة الآباء والأمهات لمهارات أبنائهم والحرص على تطويرها وتنميتها مما يشكل بيئة خصبة للأبناء للإنطلاق نحو الإبتكار. ثانياً البيئة الدراسية التعليمية المتكاملة من حيث الأسلوب المستخدم في التعليم الذي يجب أن يكون بعيداً عن التلقين والتحفيظ بل على الاستنتاج والتفكير الإبداعي. ثالثاً بيئة العمل التي تعتبر المحرك الرئيسي للإبتكار والإبداع، فبعد تهيئة الفرد ببداية حياته للإبتكار لابد أن نهيئ له محيطاً لتفريغ طاقاته ويكون ذلك من خلال بيئة العمل المناسبة التي تتيح المجال للجميع بإعطاء الأفكار والمشاركة في إتخاذ بعض القرارات، وعدم حصر الموضوع على أشخاص معنيين. أخيراً البيئة العامه في الدولة التي يجب أن تكون داعمة للإبتكار، لأن هذا هو الأساس الذي بدوره يقود جميع المؤسسات من خلال الخطط المستقبلية والقوانين والتشريعات.
بالإضافة لذلك، يجب أن لا ننسى دور الدين الإسلامي بالتحريض على الإبتكار والإبداع في شتى مجالات الحياة. فالإسلام ليس كما يتصوره البعض دين منغلق ويهتم بالعبادات فقط، لا فالعكس هو الصحيح فالله عز وجل قال في كتابه الحكيم ( كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) فقد ورد ذكر يتفكرون في اكثر من موضع بالقرآن الكريم، فلم يخلق الله تعالى هذا الكون البديع بصورة اعجازية عبثاً حاشَ لله انما خلقه لنتأمل فيه ونستوحي منه الابتكارات والابداعات فكل الابتكارات والاختراعات البشرية انما هي انعكاس لبديع خلق الله عز وجل. مثال على ذلك اعتماد باحثو جامعة ليدزالإنكليزية على الموجات فوق السمعية الملتقطة من قبل الخفافيش وذلك لإيجاد فريستها، فالخفافيش لا ترى فهي تستقبل كل الأصوات القادمة من على بعد تحت تردد معين لا يسمعه الإنسان، وهنا جاءت الفكرة بتصميم عصي تعتمد على الأصوات فوق السمعية الصادرة من الجماد والتي لا يسمعها الإنسان وذلك في محاولة من أجل مساعدة كل ضعاف البصر وفاقديه. مثال آخر على تحويل إبداع الخالق عز وجل لإختراع بشري، وهو عين الذبابة فتحتوي عين الذبابة الواحدة على ما يقرب من 28 ألف عدسة منفصلة وحساسة للضوء ما يسمح لها بالرؤية بزاوية 180 درجة، وهنا جاءت الفكرة لعلماء جامعة "إلينوي" بتصميم كاميرا متعددة العدسات حيث تحتوي على 180 عدسة وكل عدسة منفصلة بذاتها كي تندمج في النهاية وتعطي صورة واحدة كاملة، الهدف الرئيسي من هذه الكاميرات هو استخدامها في المراقبة الجوية للطائرات الآلي.
فنستطيع القول أن التأمل والتدبر في خلق الله عز وجل هي نقطة الإنطلاق لبناء فرد ومجتمع مبتكر ومبدع، كما انه لايمكن إنكار أهمية الدعم مادي في عملية الإبتكار لكن الدعم والتشجيع المعنوي هو الأهم والأساس لهذه العملية، لأنه هو الدافع نحو التطور.
إن التغيير يبدأ منك أنت، فكر، أبدع واترك العنان لنفسك مهما كانت الظروف من حولك معارضة لتوجهاتك كن أنت مختلفا عنها وتميز بأفكارك وإبتكاراتك، فالتحديات والأزمات هي التي تولد الإبتكار والإبداع.