تحتفي مدارسنا في كل عام باليوم الوطني ، وهذا أمر محمود ومشكور غير أن هذا الاحتفاء غالباً ما يركز على تقديم ما أمكن من المعلومات عن الوطن عبر الإذاعة المدرسية أو القيام بعمل نشرات أو لوحات أو مجسمات معـبرة عن هذه المناسبة الوطنية ، وما إن ينقضي ذلكم اليوم وهذا مشاهد حقيقة إلا وينتهي معه كل شيء من تلك الأعمال كالذي يكتب موضوعاً على بضعة وريقات وسرعان ما يمسحه إن لم يقم بتمزيق تلك الوريقات ذاتها ، فلا هو أبقى ذلك الموضوع الذي كتبه لكي يستفيد منه لاحقاً ولا هو وفر جهده ووقته ولا هو احتفظ بتلك الوريقات لغرض آخر أو نأى بنفسه عن الاسراف المنهي عنه في الإسلام ، لذلك وحتى يترسخ مفهوم الوطنية والولاء الوطني في نفوس أبنائنا الطلاب بصورة أفضل لا بد لمدارسنا بألاّ تقف عند حد الفعاليات التي أشرنا لها سابقاً والتي غالباً ما يطغى عليها التنظير والشكليات في معظمها ، وإنما ينبغي عليها أن تتجاوزها إلى اشراك الطلاب للقيام بمهام عملية من خلال الأنشطة الطلابية ممثلة بنشاط الخدمة العامة ، والكشافة والرحلات مثلا كأن يقوم الطلاب بتنظيف أفنية مدارسهم أو الشوارع المحيطة بها أو الحدائق المجاورة لها أو المكان الذي جلسوا فيه في رحلة برية على الأقل على اعتبار هذه الأمكنة جزء لا يتجزأ من كيان هذا الوطن العزيز أو ما شابه ذلك من الخدمات الأخرى التي تحتاجها بعض الجهات الرسمية في مناسباتها العامة ، وذلك لما في هذه المشاركات العملية من فوائد عظيمة على الطلاب أنفسهم من حيث تعويدهم على الصبر وتحمل المسؤولية وحب التعاون وتنمية الحس الوطني في نفوسهم وترغيبهم على العمل الصالح فضلا عن تهيئتهمللمشاركة الجادة في كل ما يخدم هذا الوطن في أي مجال من مجالات الحياة وعلى كافة الأصعدة ، ولكون هذه البلاد قد شهدت حالة من الفوضى والفرقة والنزاعات وتفشي الفقر والجهل والأمراض ، ومن ثم تحولت على يد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وبتوفيق من الله إلى أمن واستقرار ورغد عيش ، فإن هذا ما يتحتم على مدارسهم القيام باطلاعهم على حقيقة هذا المنعطف التاريخي الهام وتبصيرهم بأن هذا الوطن يختلف كثيراً عن سائر بلدان العالم قاطبة نظراً لما تميز به من وجود مقدسات إسلامية لا مثيل لها على وجه الأرض وفي طليعتها بيت الله الحرام والكعبة المشرفة قبلة المسلمين ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ناهيكم عن المشاعر المقدسة التي يـفـد إليها المسلمون من كل فج عميق لأداء فريضة الحج ليدرك الطلاب ومن واقع هذه المنظومة مدى عظمة هذا الوطن وحجم المسؤولية التي ستلقى على اكتافهم فيما بعد ، وما يتوجب عليهم تجاه هذا الوطن من المحافظة عليه وعلى قدسيته وحمايته من كل معادٍ وعابثٍ وحاقد فضلا عن عدم الاستماع من ناحية أخرى لأبواق المغرضين والمحرضين والمرجفين الذين يبثون سمومهم عبر مختلف الوسائل الإعلامية والتقنية والذكية لهدف إثارة القلاقل والفتن وتمزيق اللحمة الوطنية وغير ذلك من الطرق والأساليب الأخرى التي يسلكونها لهدف التقليل من شأن هذا الوطن وقيادته المباركة ليبقى هذا الوطن وكما أراد الله حراً أبياً عالي المجد والفخار وشامخاً بين سائر الأوطان نستلهم من ماضيه التليد العظة والعبرة والدروس ونغرف من معين قيمه الخلقية الأصيلة المنبثقة من روح الإسلام الخالد ما يهيئ لنا سبل الارتقاء والتطور والتقدم الإنساني . جاء في الأثر بأن حب الوطن من الإيمان وبالتالي فإنه لخليق بالمربين والمشرفين على الأنشطة المدرسية أن يغرسوا هذا الحب في نفوس أبنائهم الطلاب وأن يرشدونهم لترجم هذا الحب إلى عمل حقيقي وصالح ومخلص ودؤوب لخدمة هذا الوطن والتضحية من أجله . سائلين الله تعالى أن يمن على وطننا بدوام الأمن والاستقرار وأن يحميه من كل سوء ومكروه ، وبالله التوفيق .
البحث التربوي والكاتب الصحفي
عبدالفتاح بن أحمد الريس