أبوك أصلاً ما رباك !
بعد أن قال له : يا ولدي لا تلق الحجارة في قارعة الطريق لأن فيه مضرة على المارين . رد عليه بقوله : ما لك دخل يا شايب والفاظ أخرى غير لائقة ، فما كان من هذا الرجل الكبير إلا أن قال وهو متألم : أبوك أصلا ما رباك ! ثم مضى في طريقه وحيث وجبت الصلاة دخل إلى أحد المساجد القريبة وإذ به يشاهد شاباً يتسنن فقال في نفسه : يا سبحان الله هذا شاب يتعبد لنيل رضا الله ومثوبته ، وذلك شاب يلقي بالحجارة في قارعة الطريق ليؤذي بها المارين من الناس . هكذا حدثنا ذلك الصديق على أثر هذا الموقف والذي انهاه بقوله : إنها التربية يا اخوان . ولأهمية هذه القضية فقد ارتأينا ومن خلال هذه الصحيفة الغراء أن نوضح هنا بأن استقامة السلوك لا تتحقق إلا من خلال التربية الحقة التي تنبثق من تعاليم الإسلام الخالد وإن مسئوليتها بالدرجة الأولى تقع على الأسرة على اعتبارها هي الحاضنة والمعمل الأول لنشأة الفرد وبلورة شخصيته وتشكيلها حيث يتسم الفرد أثناء طفولته بالمرونة والقابلية للتأثر والتغيير والذي برعايته والاهتمام به منذ نعومة اظفاره وتقويمه بناء على أسس ومفاهيم تربوية سليمة تستقيم بذلك سلوكه والعكس صحيح في حالة افتقاره لهذه التربية وهذه الرعاية الأسرية المستمرة ، وهذا ما بينته كثير من الدراسات التربوية التي أجريت بخصوص ذلك والتي من نتائجها أن أكثر الشباب المنحرفين سلوكياً هم ممن عاشوا في أسر تفتقر لمثل هذه التربية الحقة أو أنهم عاشوا في أسر بمعزل عن اهتمام الوالدين وبما تستدعيه مسؤولية تربيتهم من الرعاية والتوجيه والعناية بهم من كافة الجوانب اللازمة لهم فكرياً وجسمياً وصحياً ونفسياً ووجدانياً ، فعندما سألت تلك السيدة الأمريكية أحد كبار المربين الأمريكيين في إحدى محاضراته ما هو السن المناسب للبد في تربية طفلي ؟ فما كان منه إلا أن سألها ، ومتى سيولد طفلك ؟ فقالت له : يا سيدي إن عمره الآن خمس سنوات ، فرد عليها بقوله : أسرعي يا سيدتي إلى منزلك فلقد ضيعت أحسن فترة لتربية ابنك ، فيما قال ابن القيم الجوزية رحمه الله في هذا الخصوص ( ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرد ، وغضب ، ولجاج ، وعجلة ، وخفة مع هواه وطيش وحدة ، وجشع ، فيصعب عليه تلافي ذلك ) أما بالنسبة للمدرسة فلا ريب أن لها دور كبير في العملية التربوية والتعليمية غير أنها في الحقيقة تأتي مكملة لدور الأسرة كما اسلفنا ، وذلك من خلال ما يلي :
1- نقلها للتراث من جيل إلى جيل، أي من الأجيال الماضية إلى الأجيال الحاضرة وذلك وفق منهج دراسي محكم ومنظم يتبناه كل مجتمع بناءً على فلسفته أو سياسته التربوية والتعليمية التي ينشدها لأبنائه الطلاب والطالبات من أجل تحقيق اهداف وغايات مفيدة لهم وتسهم في ذات الوقت في بناء وتطور وتقدم مجتمعهم ووطنهم على حد سواء.
2- إكمالها لما بدأت به الأسرة من أدوار تربوية حيث يولد الطفل فيها وينمو ويترعرع ويتأثر بكل ما يحدث ويدور داخلها فتأتي المدرسة حينئذ لتكمل هذا الدور التربوي ولكن بشيء من التنظيم المعرفي والتوسع الذي من شأنه ينمي من مدارك هذا الطفل بحسب سنه ويزيد من معرفته بأمور الحياة ويؤهله لأن يصبح مواطناً صالحاً لمجتمعه ووطنه
3- تصحيحها لما قد ينمو إلى أذهان النشء أو يعلق في ذاكرتهم من مفاهيم أو حقائق أو معلومات علمية خاطئة نتيجة لاحتكاكهم ببعض الناس سواء داخل أسرهم أو خارجها أو من خلال وسائط تربوية أخرى فضلا عن وسائل الإعلام والفضائيات وأجهزة التقنيات الحديثة .
. بقي أن نؤكد في نهاية هذا المطاف بأن التربية قاسم مشترك بين الاسرة والمدرسة وأن التعاون بينهما لا بد منه لأجل بناء سلوك قويم لدى عموم أبنائنا وشبابنا يساندهما في هذه المهمة العظيمة والمسئولية الجسيمة بقية الوسائط التربوية الأخرى ممثلة في المسجد والأندية بمختلف مسمياتها بالإضافة لمختلف وسائل الأعلام ، ولعلنا قبل أن نبرح هذا المقام نسأل ومن واقع ما نشاهده على أرض الواقع من سلوكيات سلبية وسيئة ومشينة في بعض الأحيان من لدن بعض الأبناء الطلاب وبعض الشباب هداهم الله : من المسئول عن تواجد مثل هذه النوعية من الأبناء في الشوارع وبعض الاستراحات إلى ما بعد منتصف الليل ؟ ، وفي نفس الوقت من المسؤول عن نوم بعضهم أثناء الحصص الأولى بمدارسهم نتيجة لسهرهم الطويل وانشغالهم بأجهزة التواصل الاجتماعي ومتابعة الفضائيات ؟ الإجابة بالتأكيد الوالدين أومن يقوم مقامهما داخل الأسرة ، قال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وبالله التوفيق