إن سورة الفاتحة سورة عظيمة من سور القرآن الكريم، نقرؤها كل يوم فرضًا واجبًا سبع عشرة مرة في الصلوات المس المفروضة؛ لأنه لا بد من قراءتها في كل ركعة من كل صلاة؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي r أنه قال:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وقال في الحديث الآخر:" من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"؛ أي: غير تمام، وهي أفضل سور القرآن؛ كما صح ذلك عن الرسول الكريم r.
يقول ابن القيم - رحمه الله - : ( كثيرًا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ) إياك نعبد ( فيه علاج للرياء، )وإياك نستعين ( فيه علاج للكبرياء.
فـ) إياك نعبد ( تذهب مرض المراءاة والتصنع للمخلوقين، تذكيرًا للعبد بمقام الإخلاص الذي هو أشرف المقامات، وبعظيم ثواب الآخرة لأهله؛ كما قال تعالى: ) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا (.
و) وإياك نستعين ( تُعرف العبد بافتقاره واحتياجه إلى ربه، واستمداده المعونة منه سبحانه وتعالى على الدوام، كما قال تعالى: ) يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد (، وهكذا بقية الآيات في هذه السورة كلها تعالج أمراض القلوب، وفيها شفاء لما في الصدور وإن كان في الأبدان شيء من الأسقام والأمراض.
وأمراض القلوب في الجملة ترجع إلى نوعين: مرض الشبهة، ومرض الشهوة، وفي قوله تعالى:) غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( علاج لهذين النوعين؛ (فالمغضوب عليهم) عندهم فساد من جهة النية والقصد، و(الضالون) عندهم فساد من جهة العلم، وكل منهما خطير على صاحبه غاية الخطورة.
فإذا قرأ المسلم سائلاً الله الهداية إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبه المغضوب عليهم، وسبل الضالين، وكرره كما شُرع له في يومه مرات وكرات، فإن ذلك يعالج – بإذن الله U - فساد قلبه؛ لأنه لا يزال يشعر بافتقاره إلى صلاح النية، والعلم، واحتياجه الشديد إلى الاستقامة على صراط الله المستقيم.
فجاءت هذه السورة العظيمة، الكريمة المباركة، معالجة أمراض القلوب بكافة أنواعها، مصلحة فساد القلب لمن أكرمه الله U بحسن الاستشفاء، وتمام الانتفاع بها.
وللاستشفاء بهذه السورة لا بد مع القراءة من اليقين والثقة بالله U، فإذا اجتمع اليقين والثقة بالله، انتفع العبد بهذه القراءة غاية الانتفاع.