لقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع. وبفضل المولى جل وعلا على عباده في العصر الحديث،وجود وسائلُ التواصل الاجتماعي، كالهواتف، والبرامج، والمواقع. فهي نعمة عظيمة لمن استغلها الاستغلال المفيد، واستعملها فيما يرضي الرب المعبود. فبعد أن كان الناس يعانون من قلة التواصل فيما بينهم، وصعوبة الوصول إلى المواقع الهامة، وتحصيل المعلومات الضرورية لحياتهم، أصبحت الأمور أكثر تيسيراً وعوناً على ذلك بعد ظهور وسائل التواصل الحديثة، فالحمد لله على تتابع نعمه وآلائه على عباده.
إلا أن الناظر فيما يقع بين الإخوة من شحناءٍ وبغضاءٍ بسبب سوء فهم ، أو عمل غير مقصود، أو غير ذلك من الأسباب ليحزنُ أشدَ الحزنِ على ذلك. وإننا نرى أن الشيطان قد نجح في زرع هذه العداواتِ، وكيف لا وهو الذي أخذ العهد على نفسه بمثل هذه الأفعال. ومما يبعث الحزن أكثر أن تجد هذا الأمر بين أناس من خيار شباب المجتمع، بل ممن تربوا على العلم الشرعي الذي يحصن المسلم من الوقوع في مثل هذه الزلات، والهفوات، والتي قد تحسب عليه، نسأل الله السلامة والعافية.
وفي هذا المقال، أريد أن أذكر نفسي أولا، ثم أخواتي ثانيا بخصلة عظيمة نسيناها أو تناسيناها في زحمة المشاغل الدنيوية، وعدم القراءة لسير سلف هذه الأمة وهي سلامة الصدور وطهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد.
فمن فوائد سَلَامة الصَّدر: أنَّها سبيل لدخول الجنَّة، فهي صفة من صفات أهلها، ونعت من نعوتهم، قال تعالى في سورة الشعراء: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
كما أنَّها تكسو صاحبها بحلَّة الخيريَّة، وتلبسه لباس الأفضلية، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «خير النَّاس ذو القلب المخْمُوم واللِّسان الصَّادق»، قيل: ما القلب المخْمُوم؟ قال: «هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لَا إثم فيه، ولَا بَغْي ولَا حسد».
كما أنَّها تجمع القلب على الخير والبِرِّ والطَّاعة والصَّلاح، فلا يجد القلب راحة إلا فيها، ولا تقرُّ عين المؤمن إلا به. ثم أنَّها تزيل العيوب، وتقطع أسباب الذُّنوب، فمن سَلِم صدره، وطَهُر قلبه عن الإرادات الفاسدة، والظُّنون السَّيئة، عفَّ لسانه وجوارحه عن كلِّ قبيح. ويكفي أنَّ فيها اقتداء بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وتأسِّيًا به، فهو -بأبي هو وأمي صلَّى الله عليه وسلم- أسلم النَّاس صدرًا، وأطيبهم قلبًا، وأصفاهم سريرة.
ولهذا يا أحبتي فإن سلامة الصدر، ونقاء السريرة وصفاء النفس من الأمور الدالة على الإيمان ومن دوافع العمل الصالح، ومن موجبات الأجر والثواب وهي صفات تقرِّب صاحبها من الأعمال التي تفتح له أبواب الخير، وتورده مسالك الطريق إلى الجنة
فانظر كم يضيع الانسان على نفسه من الخير من ما يحمله في قلبه من الحقد والحسد والغل
وختاما اسئل الله العضم ان يغفر لنا وان ينقي قلوبنا من الحسد والبغضاء وان يجعلنا هودات مهتدين غير ضالين ولا مضلين