فمن المتقرر عند أهل العلم وجوب تقدير المصالح والمفاسد في الأمر المطروح قبل الإفتاء فيه، والعمل على تحصيل أعلى المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين عند التزاحم. ورحم الله ابن تيمية إذ يقول: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين اهـ.
ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، من القواعد الفقهية التي حام حولها كثير من كلام أهل العلم في كتب الأحكام والقواعد الفقهية والمقاصد، مما يؤكد على أهمية هذه القاعدة ومكانتها بين القواعد الفقهية.
فالذي يجهله كثير من شباب الأمة أن أحكام الشريعة مبناها على جلب المصالح ودفع المفاسد، فكل ما أمر الله به لابد أن تكون المصلحة منه للعبد إما خالصة كاملة، أو راجحة، أي الفائدة فيه زائدة على المضرة، وما لم يكن فيه تحقيق لمصلحة أو دفع لمفسدة فهو عبث تتنزه عن مثله شريعة الله.
الأمر بالمعروف الذي رأسه وأصله توحيد الله الذي خلق الثقلان من أجله، قال تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{.والنهي عن المنكر، الذي أصله ورأسه الشرك بالله المضاد لتوحيد الله، الذي خلق الله – تعالى – الثقلين من أجله.
الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي رفعت به رايات الجهاد ونصر به دين الله، وارتفعت به كلمته، بل وسادت به دولته يوم أن كانت دولته.
فإن إنكار المنكر هو أحد المراتب التي دل عليها الكتاب والسنة.
أما من الكتاب فهناك أدلة كثيرة منها :
1 ـ قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (( وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ )) الأنبياء 57 ـ 58 . في قصة تكسير إبراهيم عليه الصلاة والسلام للأصنام .
2 ـ قال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام : (( وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً )) طه97 ، في قصة عبادة بني إسرائيل للعجل .
أما الأدلة من السنة فمنها :
1 ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده " .
2 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً مكسراً الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد " .
يقول ابن القيم رحمه الله: فإن الشريعة مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
ونسأل من الله التوفيق والسداد