لا ريب أن المسلمين في كل عصر وجيل، ينشدون العزة والرفعة، سيما وأن لهم رصيداً كبيراً من حقائق الوجود الإسلامي، والتي ساهمت وأثرت في مسيرة وبناء الحضارة الإنسانية عبر قرون طويلة.
وهذه العزة المنشودة ما كانت في يوم من الأيام مادية تسفك الدماء، وتنهب الأموال، وتنتهك الحرمات، وتستعبد الأحرار، وتفتك بالضعفاء، وترمل النساء وتيتم الأطفال، وتفرض نفسها على الآخرين بقوة السيف أو الرعب والفزع!!
بل إن العزة التي هي في أصلها لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن ثم للمؤمنين، هي التي تمثلت فيها قيم ومبادئ ومثاليات حضارة الإسلام، التي نباهي بها بل نفاخر الأمم كلها، لأن دعائمها ومرتكزاتها ما أقامها وأعلى قدرها وشأنها سوى القرآن العزيز.
وهذا يوجب على كل مسلم، أن يجد ويجتهد ويعمل على عودة هذه العزة، التي كادت تتلاشى هذه الأيام، بكل ما يملك من نفس ومال وقلب ولسان وقلم، فالمسلمون في العزة الإسلامية أمام خالقهم، سواسية في عبوديتهم له عز وجل، وهم سواسية أمام الحياة في الحقوق والواجبات.
والمسلمون جميعاً في ظلال العزة الإسلامية، أخوة في حرية العيش الكريم دون تغابن أو تظالم، وهم أخوة في حرية التفكير وانطلاق العقل في ميادين العلم والمعرفة، وللأمة الإسلامية تاريخ حافل مع الدعوة إلى الله تعالى لإعلاء كلمته، تلك الدعوة المباركة الخالدةـ التي جمعت بين الشعوب والأمم، وألفت بينهم بعقيدة التوحيد، والدعوة إلى الله، والقيام بالعدل وتحقيق الأمن بين العباد، والأمر بالمعروف والسعي إلى البر والإصلاح، والنهي عن المنكر والبغي والتحذير من الظلم والفساد.
الإسلام الذي يقرر أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، هو دين الإنسانية كلها، لا يقيم أي وزن في حسبانه لحواجز الجنس أو العرق أو اللون، ولا تعرف مبادئه وأحكام شريعته الفوارق، فكل مؤمن بهذا الدين الخالد، مكلف بأحكامه والتزاماته، وتطبيق أوامره واجتناب نواهيه في واقع الحياة المعاش.
وطبقاً لأوامر الله سبحانه وتعالى، والإيمان بدستوره العظيم وكتابه المبين، أوجب النظم الإصلاحية صوراً للعلم عامة، والكشف عن آيات الله ودلائله في هذا الوجود وفي هذا العصر تحديداً، الذي على الرغم من تنوع الحضارات وتقدمها في عمارة الأرض، جلها حضارات زائفة مزعومة، تزرع الشرور وتبث الآثام والقوميات المفرقة والحروب المدمرة، والأزمات المفتعلة التي تعيث في الأرض الفساد، بموازين مختلة، وبمعايير مزدوجة!!.
وأين هذا من شريعة الإسلام، التي تدعو إلى السلام والوئام والتعاون على كل ما فيه خير الإنسانية مسلمها وكافرها، أين هذه الحضارات الكاذبة من شريعة سامية سامقة، تدعو إلى الاعتدال في كل شيء، بل هي وسط في كل أمر، وبذلك سمانا الله العزيز الكريم: أمة وسطاً وصدق تقدست أسماؤه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) البقرة: 143.