الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل على عبده الكتاب هداية وشريعة، وهو خير الدنيا وسعادة الآخرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون..
قال تعالى: " فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " (الزخرف 43)
إن الإعجاز في القرآن الكريم، لهو شيء عظيم أذهل عقول البشر وفاق كل توقعاتهم وتصوراتهم، إذ أنه كلام الله تعالى، وإن حقيقة هذا الكتاب الخالد، وخفاياه، أنوار تضيء القلوب والعقول، وتفتح الأبصار والأفئدة، لتقود إلى مسالك الخير والهدى في الدنيا والآخر..
عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا إنها ستكون فتنة.. قلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟، قال: كتاب الله.. فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم.. هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.. وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم.. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه.. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعت به حتى قالت: ) إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ((الجن 1،2).. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"..
يعتبر ما جاء في القرآن من أحداث تاريخية ومستقبلية وجهاً معجزاً لكنه لم يفصل في ذلك لأن غرض كتابه بلاغي ولغوي، وإن كان تطرق إلى مسألة خلق الإنسان باعتبارها من المسائل الغيبية التي وقع بها الأعجاز . فالقرآن معجز في تاريخه دون سائر الكتب ومعجز في أثره الإنسان ومعجز كذلك في حقائقه.
وأن الأخبار عن الغيب من أبرز وجوه الإعجاز إذ اشتماله على الأخبار بالغيب من ماض كقصص الرسل مع أقوامهم وقد تقدم بعض الكلام فيه، ومن حاضر في عصر تنزيله .. ثم يسوق الآيات التي ورد فيها هذا الوجه وهذه الأخبار الكثيرة بالغيب دليل واضح على نبوة نبينا وكون القرآن من عند الله تعالى ، إذ لا يعلم الغيب غيره سبحانه، ولا يمكن معارضتها بما يصح بالمصادفة أو القرائن أحياناً من أقوال الكهان والعرافين والمنجمين.
ويقول دراز رحمه الله " ذلك شأن ما في القرآن من الأنباء التاريخية، لا جدال في أن سبيها النقل لا العقل وأنها تجيء من خارج النفس لا من داخلها.
ويقول الأستاذ محمود شاكر" إنه إذا صح أن قليل القرآن وكثيره سواء في هذا الوجه – أي النظم والبيان – ثبت أن ما في القرآن جملة من حقائق الأخبار عن الأمم السالفة ومن أنباء الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب الدلالات على ما لم يعرفه البشر من أسرار الكون إلا بعد القرون المتطاولة من تنزيله، كل ذلك بمعزل عن الذي طولب به العرب. ويتبين ذلك أن الأخبار الغيبية وجه معجز لكنه لم يقع به التحدي، ولا يفهم من ذلك أن البشر يمكن لهم أن يأتوا بمثل أخباره، فهي بلا شك دليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودليل على أن القرآن من لدن عليم حكيم ولا يمكن أ، يأتي مخلوق ويجيء بمثل ما جاء به القرآن، الكريم ولكنها لم يتم التحدي بها.