عندما ضُمت وزارة التعليم العالي إلى وزارة التعليم وذابت الوزارتين في وزارة واحدة بمسمى وزارة التعليم ، سألني أحد من الزملاء الذين اتخذوا موقفًا مبكرًا منكرين هذا الدمج ، وقال هل أنت مع أو ضد الضم والذوبان؟ ، ولأن الأمر يهمني اصلا فقد كانت الإجابة حاضرة حيث كنت طرحت السؤال على نفسي قبل هذا السائل وكان الجواب أنا مع بشرط وضد بشرط ، فأنا مع الضم بشرط إعطاء صلاحيات كبيرة جدًا للجامعات في إدارة شئونها وتكون الوزارة أو ما يوازيها من مجلس أعلى لها القيام بدور رسم السياسة العليا والتنسيق بين الجامعات ، وأن يكون ذلك متزامنا مع عمل مماثل في جانب التعليم العام بحيث يكون لكل منطقة تعليمية صلاحيات كبيرة وأن يديرها أحد برتبة معالي ، فتكون الجامعات وإداراة تعليم المناطق تدار بمجموعة من الوزراء اذا لا فرق بين معالي الوزير ومعالي المدير فلا يبقى للمرجعية المركزية داعي .
أما كوني ضد الدمج فمرد ذلك إلى حجم المسئولية مما سيرفع من وتيرة البيوقراطية عندما تكوم الصلاحيات في مبنى واحد وشخص واحد وثقافة واحدة ومقرها وزارة التعليم .
هكذا كنت مع وضد أما اليوم فإني ضد وضد ، ضد المركزية والروتين والنمطية و تحجيم المنافسة والتنوع ، فمثلًا في المملكة العربية السعودية ثلاث وعشرون جامعة حكومية عدا الجامعات الأهلية والكليات ، هذه الجامعات جميعها تتبع إدارة واحدة إلى جانب ثلاث وعشرين إدارة تعليم منتشرة بطول وعرض الوطن .
هذه الجامعات جميعها فيها كليات موحدة (تربية – لغة عربية – دراسات إسلامية ربما أكثر من كلية متخصصة في العلوم الإسلامية – وكلية العلوم الإجتماعية وكلية الآداب وكلية الإدارة والإقتصاد وكلية الحاسب الآلي) وهناك جامعات بعدد أقل من عدد أصابع اليد الواحدة تتميز بأن بها كلية أخرى ككلية العلوم الطبية البيطرية وكلية الزراعة و الثروة الحيوانية بجامعة الملك فيصل وكليات التعدين في جامعة الملك فهد للبترول و المعادن ، أي أن لدينا أربع جامعات هي جامعة الملك فيصل المتميزة بكلية العلوم الطبية البيطرية وكلية الزراعة والثروة الحيوانية وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن المتميزة بتخصصات الثروة المعدنية ومنها البترول وصناعاته وجامعة الملك عبد العزيز المتميزة على استحياء بكلية علوم البحار ، بالإضافة إلى جامعة واحدة رابعة لها عشرون فرعًا صورة صبق الأصل لا يميزها عن بعضها سوى أسماء خاصة .
لن نعود للحديث عن أثر التنوع في خلق نهضة وطنية ولكننا نتحدث ونعني ترشيد يوجب إعادة هيكلة الجامعات وفق التخصصات والتنسيق فيما بينها وتفعيل ما يسمى باقتصاد المعرفة في عصره ، وأن تسعى كل جامعة إلى تميز خاص بتقديم كلية ترتبط بالبيئة والمجتمع والحاجة ، ومع التوجه نحو خصخصة التعليم ومنه الجامعات يكبر الأمل في خلق بيئة تعليمية متنوعة علميًا وخدميًا بعيدًا عن هذا التكرار الذي أورث المجتمع بطالة ظاهرة وأخرى مقنعة وأورثه ثمانية مليون وافد من دول نفوقها في الإمكانات ونتخلف عنها في الرؤياء البعيدة ، الواقعية ، المناسبة .
نريد تتغيير في فلسفة وأهداف التعليم ومنه التعليم الجامعي من القراءة والكتابة إلى تعليم المعرفة واقتصادها وخدمة المجتمع ، فنحن الأن أمام تحدي كبير، تحدي اقتصادي حيث كشف البترول عن نفسه كمصدر للطاقة ومن ثم للثروة معلنًا أنه مصدر غير مأمون وغير مستدام وأن نجمه بدأ في الأفول والنضوب ، وأدركت القيادات السياسية في دول البترول ذلك فأخذت تتجه إلى ما يعرف باقتصاد المعرفة ( إنتاج المعرفة وتسويقها ) ولا أعتقد أن كليات جامعاتنا وتخصصاتها تخدم هذا التوجه ، فماذا سنفعل بمئات الآلاف من حملة الشهادة في اللغة العربية أو الأدب أو حتى التربية وعشرات الآلاف من المتخصصين في الدراسات الشرعية المزدحمة بالمجتهدين والمحتسبين دون الحاجة إلى شهادة جامعية ... لقد مضى وانقضى عصر قصائد المعلقات إذا لم تعد تؤكل عيشًا ولا تبني وطن ولا ترفع قومًا ولا تحط من شأن آخرين .
نحتاج إلى توجيه نحو تخصصات تخدم اقتصاد المعرفة ، نريد إعادة هيكلة للجامعات وتوجيها بحيث تقلص تخصصات الهدر ويكون لك جامعة توجه وميزة من خلال تنويع التخصصات وفق الحاجة والبيئة القريبة والنظرة المستقبلية وفي ضوء مايمكن تسويقه خارجيًا ، نريد مرونة صلاحيات لكل جامعة بما يخدم التخصص المتميز ، ونريد تعليمًا عامًا يخدم التوجه نحو الجامعات وفق منظور حديث .
مثل هذا التوجه أو حوله لا يمكن أن يكون في ظل النظام العتيق والفكر الموروث ...
نايف الحارثي

إقرأ المزيد
جامعاتنا صورة طبق الأصل
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/229028/