ينظر للتعليم على أنه من علامات وفوارق تطور الأمم والشعوب، وينظر لتعدد وتنوع الأنماط التعليمة على أنها من دلائل التطور والرقي، وتحقيق إتاحة الفرص لدى المجتمعات، وينظر للتعليم النظامي على أنه وعاء التطور والتحسين وصلبه المباشر والوسيلة المثلى للحراك الاجتماعي؛ وللتعليم الموازي على أنه رافد كبير مغذٍ للتعليم النظامي، ومساعد في فتح مجالات أخرى داعمة ودافعة للتنمية المستدامة، ومن مسارات التحوّل للتعليم في وقتنا الحاضر.

ومن تلك الرؤيا خرج لنا التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد كرافد مساند للطلبة ذوي الظروف والمعيقات الراغبين في الدراسة الجادة بشكل أو بآخر، وهو من إفرازات تطور التقنية والاتصال الحديثة التي مكنت التعليم العالي من الوصول إلى مساحات واسعة في مناطق شاسعة.

والتعلم الإلكتروني أحد الأدوات التي تبلورت وتشكلت في الوقت الحاضر وأصبحت ملاذاً بعد رحلة طويلة لمن يريد التعلم وتطوير قدراته وإمكانياته وصقل خبراته التعليمية والمهنية، حيث تم تسخير أحدث ما توصلت إليه تلك التقنيات من أجهزة وبرامج ووسائل إلكترونية في العملية التعليمية، مما زاد من فرص الطلبة في التعلم الجيد والتفاعل المباشر وغير المباشر مع أعضاء هيئة التدريس والمقررات والزملاء.

ويتطلب الاهتمام ببيئات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد وجود خطط استراتيجية واضحه المعالم والأهداف، ولوائح وقواعد تنفيذية منظمة تحفظ للجميع حقوقهم، ومعايير ومؤشرات لقياس الأداء وضبط الجودة، وآليات للتقييم، ودراسات تتبعية مقارنة لمستويات التحصيل الأكاديمي، واستراتيجيات التدريس.

وبالنظر إلى تركز أهم أهداف واتجاهات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في إكساب الطلبة المعارف والمهارات والقيم والاتجاهات النافعة، في الأوقات الفاضلة والمناسبة لهم، وتوفير عدد من النوافذ والفرص الدراسية المرنة لهم، وتقليل الهدر المالي، وتعزيز العلاقة الفاعلة بين المشاركين في العملية التعليمة، وتحقيق مزيد من المراعاة لفروقهم وظروفهم الفردية، فإن ذلك النوع من التعليم يتوسع بشكل سريع وهائل حتى يصعب اللحاق به، حيث تشير دراسة  Allen & Seaman (2010) إلى أن معدلات الالتحاق ببرامج التعليم عن تزيد سنويا بمقدار (1.2%) في مختلف الجامعات العالمية.

وقد اهتم المتخصصون وخصوصاً في علم المناهج وطرق التدريس وتقنيات وتكنولوجيا التعليم والمقايسات النفسية بالتطورات المتسارعة لتقنية الاتصالات والمعلومات وتقنيات الحاسبات الآلية، ومحاولة توظيفها في عمليات التعليم والتعلم، بسبب سهولة استخدامها ومحبة الطلبة لها، مما ساعد في زيادة الضغط لاستخدامها، وقد أشار بذلك كل من المسعودي 2015، والموسى 2014، والصالح 2013م، والزند وعبيدات 2010م، وشحاتة 2009م وآخرين من الباحثين، بأن الاستخدام المرن للشبكة العنكبوتية في مجال التعليم والتعلم والتنمية يستطيع أن يزود الطلبة بالمعلومات والمعارف والمهارات والقدرات والاتجاهات في أي مكان من هذا العالم الفسيح سواء كانوا في منازلهم أو مكاتبهم وأعمالهم، ويعزز في اتجاهاتهم الايجابية نحو ذلك، ويعطيهم الفرصة للتعلم بدون حواجز، ويعزز ثقتهم بأنفسهم.

وكي يكون التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد فعالاً وذا جودة واضحه وأثر لابد من توافر عدد من الاشتراطات والأدوات والعناصر التي تحقق الأهداف المرجوة منه، والتي من أهمها:

• قواعد ولوائح منظمة.
• معايير ومؤشرات ضابطة.
• بنية تحتية متكاملة تشمل الأنظمة والشبكات والأجهزة.
• مقررات الإلكترونية الجيدة البناء.
• الإلمام من قبل الطلبة اللذين يتعلمون من خلال هذا النمط التعليمي بجميع أدواته.
• تقنيات معززة، ومصادر تعلم كافية.
• عضو هيئة التدريس الكفء المؤهل.

وعندما تتوافر هذه الأدوات والعناصر وتتفاعل مع بعضها البعض بشكل صحيح تظهر الفوائد التي تحقق المنفعة المشتركة، والمخرجات المأمولة.

وقد اهتمت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كمثال لبيئة تعلم إلكترونية سعودية بالتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد؛ نظرًا لما يقدمه من فوائد استراتيجية، فأنشأت عمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد عام 1428هـ، تقدم تخصصات ذات جودة عالية، وفق سياسات واحتياجات سوق العمل أمثال تخصصات: الشريعة وأصول الدين والأنظمة والمحاسبة وإدارة الأعمال والاقتصاد ؛ رغبًة منها في دمج التقنية الحديثة بالتعليم الجامعي وخدمة المجتمع، مما يتيح للطلبة الذين تحو ظروفهم دون الالتحاق بالتعليم العادي التعلم بطريقة فعالة وسهلة من أي مكان.

والتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في الجامعة يحقق العديد من الفوائد مثل: إتاحة فرصة التعليم لمختلف فئات المجتمع دون أي تمييز، وفرصة لذوي الاحتياجات الخاصة، ومن في الدُور الاصلاحية، وللطالبات التي لم يتم قبولهن في الجامعات، ومن هم على رأس العمل وفي القطاع الخاص والمناوبات، وعدم تقيده بأماكن وأعداد محددة من الطلبة لتنفيذه مما يساهم في تحقيق خطط الدولة في فتح مجالات التعليم، كما أنه يساهم في تحقيق التعلم المتمركز حول الطلبة، والتعليم المدمج والمتنقل وهي أفكار تتبناها وزارة التعليم في خططها العامة.

وتوفر العمادة نظام تدارس Tdars لإدارة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد المطور، وكذلك نظام بلاك بورد، وأنظمة أخرى محفزة للتعلم في البيئات الإلكترونية، وتقوم العمادة وبشكل دوري بقياس تحصيل الطلبة من خلال الأنظمة، ومعرفة اتجاهاتهم لتطوير تلك البيئات بما يعود بالنفع والخير الدائم، وكذلك تدريب أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب، مما ساعد على تحقيق العمادة جوائز رفيعة ومراكز متقدمة.

ويسير في هذا الاتجاه عدد من الجامعات السعودية كجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك فيصل، وجامعة تبوك، وجامعة بيشة، والجامعة الإلكترونية السعودية.

إن كل ما تقدم يثبت تسخير كافة الامكانيات من دولتنا المملكة العربية السعودية دولة العز والخير والعطاء بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظة الله ـ لتنمية ورفاهية المواطن السعودي، ويصب في خططها الخمسية بنشر التعليم في كل مكان.