حتى لا نعيد السؤال ذاته بعد عشرين عاما أخرى فنقول :تعليمنا إلى أين؟
عندما تم تعيين معالي الدكتور عزام الدخيل وزيرا للتعليم توجهت من فوري الى مكتبة بيع الكتب القريبة من مسكني وسألت المسئول عما إذا هناك كتاب لمؤلفه الدكتور عزام الدخيل وبالبحث في جهازه أجابني إيجابا ودلني عليه وكان من غريب الأمر أنني كنت اعتبر تلك المكتبة مزار منتظم لا يقل عن مرة كل أسبوع وأن توجهي دائما إلى قسم التربية وعلومها وأنه لم يعرض فيها كتاب له علاقة إلا وقد اشتريته واقتنيته ، ولكن لم يحدث أن وقع ناظري على ذلك الكتاب من قبل إنه كتاب (تعلومهم ) وهذا مصطلح شعبي يقصد به (تعليمهم) وهم هنا كانت كوريا الجنوبية ونيوزلندا وآخرون .
وعندما تم تعيين معالي الدكتور أحمد العيسى فعلت نفس الشيء والهدف هو استقراء فكر وزير وزارتنا التي طالما علقنا بيارق الأمل في تعليمنا وفي بقية مناحي حياتنا وآمالنا وطموحنا على ما سيكون من خلاله ومن خلال وزارته ، والفرق بين بحثي عن كتاب للدكتور الدخيل وكتاب للدكتور العيسى أني اعلم أن هناك كتاب للدكتور العيسى : “إصلاح التعليم في السعودية.. بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية” 2009م واعلم أنه غير متوفر ومع ذلك بحثت عنه لعل وعسى بعد أن أصبح صاحب الكتاب وزيرا يكون متوفرا إلا أني صدمت بالإجابة حيث لا يوجد كتاب بهذا الاسم أو لهذا المؤلف ، وماهي إلا أيام واقيم معرض الكتاب في مدينتي (جدة) وتوجهت من فوري إلى مقر دار الساقي الناشر للكتاب والذي افاد مسئولها بأن الكتاب نفذ رغم أني وصلت إلى المعرض في يومه الأول وتأكد لي أنه لم يصل مما دفعني للبحث عن النسخة الإلكترونية والتي احتفظ بصورة منها في فلاش أطبع منه نسخا مجانية فأهديها لمن اظنها تفيده في شئ
كتاب معالي الدكتور العيسى كان قبل أن يتسلم هرم الوزارة وهو ما يعني بأنه كان في فترة حرة بحيث يعبر عن فكره دون تحفظ الوزير والوزارة ، ومع ذلك فقد يكون مؤشرا لما ينتظر من معالي الوزير.
ولا شك أن من الأماني أن تقرأ للوزير وهو على رأس الوزارة ...(وجاءك يا مهنا ما تمنى) فقد عثرت على مقالة نشرت في صحيفة الحياة بتاريخ الإثنين، ٢١ مارس/ آذار ٢٠١٦ | ١١ جمادى الآخرة ١٤٣٧ لمعالي الوزير وهو على قمة الهرم وبالتالي فإنها قد تكون أكثر وضوحا وأكثر أملا ...
تحدث معالي الدكتور العيسى عن محاضرة للمغفور له باذن الله الدكتور محمد الرشيد وزير المعارف والذي كان من أولوياته تغيير اسم الوزارة إلى وزارة التربية والتعليم بدلا من وزارة المعارف وكما سمعت منه بأم أذني وعيني جوابا على سؤال أحد الحاضرين في لقاء بمدينة أبها أن تغيير الاسم يواجهه صعوبات كبيرة وهو ما أكده بعد ذلك في جلسة خاصة لمرافقيه وكنت أحدهم مما أشعرنا بالإحباط حيث أن التغيير فيما سوى الاسم سيكون صعبا وصعبا جدا .
الدكتور العيسى لعله كان يقرأ ما بين السطور بحثا عما نبحث عنه اليوم في محاولة استقراء لمستقبل التعليم في ظل إدارته ، يقول معالي الدكتور العيسى "كنت أجلس بين الحضور استمع لكلماته المتفائلة، وكانت استجابة الحضور بمثل ذلك التفاؤل لما عرف عن الوزير الراحل من خبرة طويلة في العمل التربوي، ومن شخصية مثالية لقيادة وزارة المعارف " ، ثم يأتي في متناول مقالته مشيرا إلى تحسن طفيف لا يتناسب والطموح والوعود ،مما أوحى لنا بأن المشكلة ليست في رأس الهرم فهناك وإلا كانت حلت من أيام المغفور له بإذن الله الدكتور محمد الأحمد الرشيد .
معالي الوزير يكمل تحليله فيقول "واليوم بعد أكثر من 20 عاماً على تلك المحاضرة يحق لنا أن نتساءل مجدداً: «تعليمنا إلى أين؟ ..."فبلادنا تستحق تعليماً أفضل ومدارس أفضل. ونظامنا التعليمي ...."..."ولا تزال مخرجات نظامنا التعليمي أضعف من أن تواجه تحديات الحاضر والمستقبل، التي لن نستطيع مواجهتها من دون بناء نظام تعليمي متمكن وقادر على استيعاب جيل المستقبل " .
نعم ونظامنا التعليمي ضعيف ...، وهنا مربط من مرابط ضعف التعليم فليكن أول أهداف الإصلاح .
ويتعمق في تحليله فيشير إلى المدرسة التي هي الوحدة الأساس والمباشرة فيقول "نحتاج أولاً إلى أن نعيد صياغة مفهوم «المدرسة»، فالمدرسة ليست مجرد دروس وحصـــص وفصول، " ، ومرة أخرى نقول نعم معالي الوزير أن ما هو على الواقع مجر أشباح مدارس كانت فماتت ولم تتغير ...ماتت نسبة إلى ما حولها فأصبحت شبح ميت حي ... ونحن ننتظر مدرسة العصر ، مدرسة اليوم ، مدرسة المستقبل ...
نعم فـ المدرسة التي تشجع طلابها على الغياب والإهمال ليست المدرسة وليست مؤسسة التربية التي ننشد أو حتى نقبل ..
يقول معالي الوزير في مقالته "فالمدارس تهاونت كثيراً في احترام وقت الدراسة واستكانت إلى صروف من الدعة والسكون وربما إلى تشجيع الطلاب على الغياب وعدم أداء الواجبات وضعف المشاركة في النشاطات والفعـــاليات "، ثم يواصل فيقول "أما المنظومة المرتبطة بالمنهج فلا تزال تسير وفق قاعدة «سددوا وقاربوا»، فلا رؤية واضحة، ولا فلسفة متماسكة، ولا أهداف محددة، ولا ارتباط بين ما يمتلكه المعلم من معارف ومهارات وخبرات وبين المنهج، الذي يتعامل معه ويفترض أن يطبقه. المنهج يتحكم فيه من يؤلف الكتاب المدرسي وغالباً لا يمتلك كثير من المؤلفين الخبرات اللازمة لبناء منهج يطلق لدى الطلاب ملكة التفكير الناقد والأسئلة المحفزة على الإبداع ومهارات الاتصال والتواصل"
"الحقيقة أن إيجاد حلول جذرية لمشكلات النظام التعليمي المتجذرة والمتراكمة عبر عقود من الزمن"
أخذ من هذا قولة " فلا رؤية ولا فلسفة ولا أهداف ، و " مشكلات النظام التعليمي المتجذرة والمتراكمة "....كفى بهذا شهادة وكفى بهذا حمل و مسئولية ...ندعو لك من قلوبنا بالعون والصبر ...
يختم معالي الوزير مقالته بـ "وخطتنا في العمل تنطلق في اتجاهين، الأول: محاولة تحسين البيئة الإدارية في الوزارة وفي إدارات التعليم، ورفع كفاءة الأداء، وتطوير النظم والإجراءات، وتصحيح بعض الممارسات، وتفكيك المركزية قدر الإمكان، فالمشكلات واضحة، والوقت ليس في مصلحتنا لإضاعته في إعداد استراتيجيات أو دراسات تشخيصية نظرية، والوضع المعقد يتطلب حلولاً خلاقة طويلة المدى بعيداً من دهاليز البيروقراطية والمركزية "
وهنا سأدلي بدلوي فقد أشار معالي الوزير إلى واجب كل من يعتقد أنه يمكن أن يسهم في تحقيق أهدافه وآماله وهي آمالنا جميعان فأقول ...حتى لا تمر عشرون سنة أخرى ويأتي وزير آخر ليقول قبل عشرين سنة قراءات مقالة معالي وزير التعليم السابق الدكتور أحمد العيسى ...ولا زال السؤال كما هو ...تعليمنا إلى أين ؟ فأقول لا لمحاولة لتحسين البيئة الإدارية في الوزارة وفي إدارات التعليم وأضيف وفي المدارس أيضا ...فالمؤكد أن المرحوم الدكتور الرشيد حاول ومن بعده حاول ولكن المخرجات كما ذكر معاليكم كانت ضعيفة ...، فهل لا نستبدل كلمة محاولة بكلمة استبدال البيئة الإدارية .... فالبيئة الإدارية عشعشت فيها ثقافة متجذرة ومتراكمة ، والبيئة الإدارية لم ولن تحدث تغييرا فلسفيا ولم ولن تأتي بنظام غير النظام الأم الذي ترعرعت فيه ، ولو كان بامكانهم عمل شيء لعملوه قبل عشرين سنة أو خلال عشرين سنة ومن لا يستطيع أمس لا يستطيع اليوم ولن يستطيع غدا، والبيئة الإدارية هي اجترار للماضي وهي تنبت من الواقع ولن يحدث التغيير في ظل هذه البيئة الإدارية ...كما ذكرت معاليكم في مقالتكم التوجه الجديد سيكون له ضحايا وله ثمن ويتطلب صبرا و فكر جديدا أو بالأصح فكرا مختلفا ...